وقال القتبي (١) : (كِسَفاً) ، أي : قطعة من السماء ، والكسف القطع.
وقال بعضهم (٢) : أصابهم حر شديد وغم في بيوتهم ، فخرجوا يلتمسون الرّوح قبله ، فلما غشيتهم تلك السحابة أخذتهم الرجفة فأصبحوا جاثمين.
وقال بعضهم : ظلل العذاب إياهم ، وبعضه قريب من بعض.
وعن ابن عباس (٣) قريبا من هذا قال : «بعث الله عليهم وهدة وحرّا شديدا ، فأخذ بأنفاسهم ، فلما أحسوا بالموت بعث لهم سحابة فأظلتهم ، فتنادوا تحتها ، فلما اجتمعوا سقطت عليهم ، فذلك قوله : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) ، والظلة : السحابة ؛ وهو قريب من الأول.
وقول شعيب : (رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) : من نقصان الكيل وغيره من صنيعهم.
وقوله : (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) : كذبوه فيما أخبر من نزول العذاب بهم ، أو كذبوه فيما ادعى من الرسالة وما سوى ذلك ؛ هو مذكور فيما تقدم.
قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧) وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (٢٠٩) وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ)(٢١٢)
وقوله : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) : وإنه ـ أي : القرآن ـ تنزيل رب العالمين ، أي : نزله رب العالمين.
(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) : جواب لقولهم : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ).
وقوله : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ) : يحتمل وجوها :
أحدها : أن جبريل لما ينزل من القرآن إنما ينزل على قلبه ، لا يحجبه شيء عن قلبه.
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن (٣٢٠).
(٢) قاله قتادة بنحوه ، أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٧٥).
(٣) أخرجه ابن جرير (٢٦٧٥٩) وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٧٥).