وقوله : (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) : قيل (١) : يترددون ، وأصل العمه : الحيرة ، أي : يتحيّرون.
(أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) : أي : لهم ما يسوءهم من العذاب في الآخرة ؛ لاختيارهم سوء الأفعال في الدنيا.
(وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) : الأخسرون والخاسرون واحد.
وجائز أن يقال : (هُمُ الْأَخْسَرُونَ) للقادة منهم والرؤساء ؛ لأنهم ضلوا بأنفسهم وأضلوا غيرهم هم أخسر من الأتباع ؛ كقوله : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) [النحل : ٢٥].
وقوله : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) : هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : لتلقى القرآن من الله على يدي رسوله وهو جبريل.
والثاني : جائز أن يكون حكيم عليم هو جبريل نفسه ، أي : إنك لتلقى القرآن من لدن جبريل ، وهو حكيم يضع الوحي والقرآن حيث أمر بوضعه فيه ؛ إذ الحكيم : هو المصيب في فعله الواضع للشيء موضعه ، وعليم بما أمر به وأرسل وهو كذلك كان ؛ إذ يجوز أن يقال للمخلوق : حكيم عليم ؛ ألا ترى إلى قول يوسف : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف : ٥٥] ؛ فعلى ذلك هذا جائز ، والأول أشبه.
أي : إنك لتأخذ القرآن من لدن حكيم عليم على يدي رسوله جبريل ، فما يأخذ من رسوله كأنه يأخذ من عند مرسله ؛ إذ الرسول إنما يؤدي كلام مرسله.
وقال أبو عوسجة : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ) يقال : تلقيته : أخذته.
وكذلك قال القتبي (٢) : (لَتُلَقَّى) أي : لتأخذه.
وقال محمد بن إسحاق : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ) أي : لتؤتى بالقرآن ؛ كقوله : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) أي : وما يؤتيها ، والله أعلم.
قوله تعالى : (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)(١٤)
وقوله : (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً) : قيل (٣) : رأيت وأبصرت.
__________________
(١) قاله ابن جرير (٩ / ٤٩٥).
(٢) ينظر : غريب القرآن ص (٣٢٢).