هو بنفسه في الهداية والضلالة بقوله : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ).
قال الواسطي : لو وقع التفاضل بالنعوت والصفات كان الذات معلوما ما أظهر ، فإنما أظهره لك إن أجرى الإحسان عليكم فلكم بقوله : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) ، إن أجرى الاهتداء فلكم بقوله : (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) ، وإن أجرى الشكر فلكم بقوله : (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ).
ثم إن الله سبحانه أمر نبيه بمتابعة مراده ، واستقامته في العبودية ، والصبر في بلائه ، والرضا بقضائه بقوله : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) أي : اتبع ما يحل في قلبك من خطاب الأزل ، وطيب روحك بطيبه ، واصبر إذا شممت رائحة وصلتي ، ولا تضطرب ؛ فإنك في امتحان الرسالة ، حتى يحكم الله برفع الحجاب عن مشاهدته ، ويريح العارفين والمحبين والمشتاقين عن بلية الحجاب أبدا ، (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) بأن يفرّق بين أوليائه وأعدائه ، ويخلّص أهل العرفان من أذية أهل الحرمان ، والله أعلم.
قال سهل : أجرى الله في الخلق أحكامه ، وأيّدهم على اتباعها بقدرته وفضله ، ودلهم على رشدهم بقوله : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ) ، والصبر على الاتباع ، وترك تدبير النفس فيه النجاة عاجلا من رعونات النفس ، وآجلا من حياء المخالفة ، والله أعلم.
***
سورة هود
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣))
(الر) : الألف إشارة جميع التأويلات التي جرت في سوابق الأزل الألوهية ، واللام إشارة جميع لوازمات العبودية التي وجبت أحكامها في الأزل على أهل العبودية ، والراء إشارة إلى راحات مشاهدة الذات ، والصفات للأرواح والأشباح.
قوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) : مخبرات الكتاب من عيون الصفات ، والذات نزهت عن تغاير الحدثان ؛ لأن أصلها صفة القدم ، وليس في القدم تبديل وتغيير ،