الذات ، والصحو في الصفات ، فإذا قرر هذه المقامات يؤمنه من زوال الشرف ، ومحو المحو عنه به ، فقال : (وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) أي : هو حسبك ، ارجع من قهره إلى لطفه ، ومنه إليه ؛ ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «أعوذ بك منك» (١).
قال النهرجوري في قوله : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ) : لا يعملها إلا هو ، ولا يطّلع عليه إلا الأمناء من عباده ، وهم الذين يصلحون للقرب ، والمجالسة ، وحفظ الأسرار ، والنظر إلى المغيبات ، وهم الذين لم يبق عليهم منهم حظّ ، ولا لهم فيهم مطالبة ، وكانوا بلا كون ، وشهدوا بلا شهود ، بل يكونون بالتكوين ، ويشهدون بالأشهاد ، فلا هم هم ، ولا هم لا هم ، فهم من حيث الوجود لا هم ، من حيث الاتحاد هؤلاء أهل الغيب الذين غيبوا عنهم ، فلا لهم في أنفسهم حظّ ، ولا للخلق إليهم سبيل ؛ لأنهم أخرجوا عن حدود التفرقة إلى عين الجمع ، فلا ثمّ كلام ، ولا عنه عبارة بحال.
وقيل في قوله : (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) : مرجع الكل ؛ لأنّ منه مبدأ الكل.
(فَاعْبُدْهُ) : أسقط عنك حظوظ نفسك ، وقف مع الأمر بشرط الأدب والسنة ، وتوكل عليه لا تهتم بما قد كفيته ، واهتم بما ندبت إليه ، (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ، كيف يغفل عنك من قدر عليك عملك ، وما أنت لاقيه إلى آخر أنفاسك ، والله أعلم.
***
سورة يوسف عليهالسلام
(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣) إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤))
(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) : الألف إشارة إلى أنائية التوحيد ، واللام إشارة إلى نكرة أهل التجريد ، والراء إشارة إلى ربانية أهل التفريد.
قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) أي : مظنات الإشارات في الأحرف
__________________
(١) تقدم تخريجه.