وبقيت الإرادة كما كانت في الأزل ويتغير أحكام المقضيات والمقدورات للعباد بالعلم والإرادات ،
بقوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) يمحو بإرادته القديمة من نفوس المريدين صفات البشرية ويثبت في قلوبهم صفات الروحانية ، ويمحو من قلوب المحبين معارضة الامتحان ، ويثبت في أرواحهم حقيقة نور الإيقان ، ويمحو عن أسرار العارفين أوصاف العبودية ، ويثبت فيها أوصاف الربوبية ، وأيضا يمحو عن ألواح العقول صورة الأفكار ، ويثبت فيها نور الأذكار ، ويمحو عن أوراق القلوب علوم الحدثان ، ويثبت فيها لدنيات علم العرفان ، وأيضا ويمحو عن أرواح الصديقين أعلام المرسومات المكتبات ، ويثبت فيها نوادر الإلهيات في حقائق المراقبات ، وأيضا يمحو عن عيون العقول شواهد الايات ، ويريها أنوار الصفات ، وأيضا يخفي في القلوب أثار الصفات ، ويبدئ لعيونها أنوار الذات ، وأيضا يمحو بفضله خاطر الوسواسية والهواجسية عن قلوبهم الخاصة ، ويثبت فيها خواطر حقائق المعرفة ، وإذا كان أسرار أهل التوحيد في بحر التجريد بنعت التفريد سائحة فيغرقها الحق في بحار نكرات القدم تارة ، تبحيرها وفنائها ويغرقها في بحار معرفة الأزلية ببقائها مع الحق ومشاهداته ، فالفناء حق القدم يغلب على البقاء ، والبقاء حق الأبد فيغلب على الفناء ، وذلك من بدء نور الذات في الصفات ، وبدء نور الصفات في الذات ، لتلك الأسرار والصفات والذات أصل تلك الغرائب والعجائب بقوله : (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) أم الكتاب المقدورات في الأفعال والصفات ، وأم الكتاب الصفات والذات ؛ لأن الكل منه بدأ وإليه يعود ، فما كان في كتاب الأفعال من القدريات يمحوه ويثبته ، وما كان في الذات والصفات منزه عن المحو والإثبات ، فكلّ متبدل ؛ فمن أم الكتاب يتبدل من المقدورات ، وكل محو ينهي ، فمن أم الكتاب ينهي.
قال الواسطي : منهم من جذبهم الحق ومحاهم عن نفوسهم بنفسه ، فقال : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) ، فمن فني عن الحق بالحق قيام الحق بالحق فني عن الربوبية فضلا عن العبودية.
وقيل : يمحو الله ما يشاء من شواهده حتى لا يكون على سره غير ربه ، ويثبت من يشاء في ظلمات شاهده حتى يكون غائبا أبدا عن ربه.
وقال ابن عطاء : يمحوا الله ما يشاء عن رسوم الشواهد والأعراض ، وكل ما يورد على سره من عظمته وحرمته وهبته ولذعات أنواره ، فمن أثبته فقد أحضره ، ومن محاه فقد غيبه والحاضر مرجوعه لا يعدوه ، والغائب لا مرجوع له ، يعدوه أو لا يعدوه.
قال الواسطي : يمحوهم عن شاهد الحق ويثبتهم في شواهدهم ، ويمحوهم عن