معروفهم ، وخوفهم من فراقه ، وإجلالهم من عظمة وجهه ، منه ما لم يعلموا منه لأنهم من معرفته بالحقيقة في ظنونهم وقت أم رسومهم فإذا عاينوه عرفوه وعرفوا سماهم به وما كان من تقصيرهم في معرفته وعبوديته ، وذلك حين وقعوا في بحر توحيده ورؤية وحدانيته بقوله : (هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) وما وصفنا من فنائهم في بقائه ، وبقائهم ببقائه ، لا يتذكر فيه إلا البناء الحقيقة ، وعلماء المعرفة ، وعشاق المشاهدة ، وأمناء خزائن المملكة.
قال جعفر في قوله : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) ولينذروا به موعظة للخلق وإنذار لهم ليجتنبوا قرناء السوء ومجالسة المخالفين ؛ فإن القلوب إذا تعودت مجالسة الأضداد تنكس وتنتكس.
قال بعضهم : كشف للخلق ما ندبوا له ، وأمروا به وجعل ذلك أعذارا إليهم وإنذارا لهم.
***
سورة الحجر
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥) وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨))
(الر) فهم النقد بما يرى من فلق الإلهام إخبارا كسر بصورة الألف واللام والراء ،
__________________
ـ مقرّبون ؛ لينظروا إلى الجمال الإلهي ؛ فكذا أهل الجلال مبعدون ؛ ليحجبون عنه كما قال تعالى : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين : ١٥] ، ثم هذا البعد اعتباري ؛ لعدم ظهور آثار القرب ، وإلا فالله قريب من عباده أينما كانوا ، وأمّا هم فمنهم قرباء ، ومنهم أقارب ، ومنهم أباعد على طبقات مختلفة بحسب كشفهم ، واحتجابهم ، دخل تحت التبليغ ، والإنذار دعوة الجن ، وإنذارهم أيضا ، والفرق بينهم ، وبين الإنس : إن الإنس مبشّرون ، كما أنهم منذرون ، وأمّا الجن : فمنذرون فقط ، دلّ عليه قوله تعالى حكاية : (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [الأحقاف : ٣١] حيث خصّ الإجارة بالذكر ، وطوى ذكر الإدخال في الجنات.