وقال القرشي : أقسم الله بحياة محمد صلىاللهعليهوسلم فقال : (لَعَمْرُكَ) ؛ لأن حياته كانت به ، وهو في قبضة الحق ، وبساط القرب ، وشرف الانبساط ، ومقام الإنفاق ، فأقسم بحياته ، فقال : (لَعَمْرُكَ) أي : بحياة مثلك يكون القسم ؛ لأن الكل زاغوا وما زغت ، وطغوا وما طغيت ، وسألوا وما سألت ، حتى بدأناك بالإجابة قبل السؤال ، فحياتك هي التي بها حياة الخلق قبلك ، وبها حياة الخلق بعدك ، فإنك حيّ بحياتنا غير مباين عنّا بحال.
وقال الخراز : وصفه لخلقه ، ثم ستره ببره عن خلقه.
قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) رهن الحق سبحانه الفراسة برؤية الايات والشواهد ، كما قال في موضع آخر : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) [محمد : ٣٠] ، و (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) [البقرة : ٢٧٣] ، وهذه أوصاف البدايات في الفراسة ، حيث يحتاج إلى النظر إلى العلامات ، وأصل الفراسة إصابة نظر الروح إلى مقدرات الغيبية بلا علامة ولا علة ولا سبب ، بل يتعلق هذه الفراسة بانكشاف ما يبدو من الغيب بنور الغيب ، وسر المقدور ، وخفيات الضمائر ، ومكنونات السرائر لأبصار الأرواح الناطقة بالحق ، المسامعة أصوات أنباء الغيبية ، الشاهدة مشاهدة الحق ، فترى بالحق بعد أن تكون موصوفة بصفة الحق ما للحق ، فكيف يخفى شيء عمّن ينظر بالحق ويبصره ؛ لأنه تعالى سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به من جهة الاتصاف ، والاتحاد بالنعوت الأزلية.
وافهم أن الفراسة على عشرة مراتب : فبعض الفراسة يحصل بعين الظاهر ورؤيتها إلى منقلبات الايات والأفعال في عالم الصورة ، وهي تصرف الحق مكان الايات إعلاما من مكنون ما سترها من أعين الخلق ، وهذا تفرس بصرية ظاهرية مقرونة بعلم العقل والقلب والروح والنفس والسر وسر السر.
والثاني : ما يسمع آذان العارفين حركات المعالم ، وما ينطق الحق وملائكته بألسنة الخلق والخليقة ، وذلك يسمع الظاهر ، وتلك الفراسة تتعلق بالأسماع الظاهرة ، وما يسمع أيضا بأسماع البواطن وقواها.
والثالث من الفراسة : ما يبدو في صورة المتفرس من أشكال تصرف الحق وإنطاقه ، وجوده له حتى ينطق جميع شعيرات بدنه من حيث التصرف والتغير بألسنة مختلفة ، فيرى ويسمع من ظاهر نفسه ما يدل على وقوع الأمور الغيبية ، وذلك أيضا يتعلق بالرؤية والسمع وحركة الفطرة في الباطن ، وإيصالها بأجزاء الظاهر.
والرابع : ما يحصل بحواس الباطن حيث وجدت بلطفها علامات أوائل المغيبات باللائحة الواضحة.