والخامس : ما يحصل من النفس الأمارة بما يبدو فيها من التمني والاهتزاز ، وذلك سر عجيب ؛ لأن الله إذا أراد فتح باب الغيب ألقى في النفس الأمارة آثار بواديه ، إما محبوبا فتتمنى ، وإما مكروها فتفزع ، ولا يعرف ذلك إلا رباني الصفة.
والسادس : ما يحصل للقلب سمعيّا بالإلهام ، وإما فعليّا كوجدانه برد الواقعة ، وإما كشفيّا يبصر ويعلم.
والسابع : ما يحصل للعقل ، وذلك ما يقع من أثقال برجاء الوحي الغيبي عليه ، فيعلم من وجود الوحي إلهامه ما سيقع من تصرف الحق ، وذلك أيضا يحصل له سمعيا وبصريا.
والثامن : ما يحصل للروح ؛ لأنها تراه من تصرف الحق فيها ، وما يبدو في غيبه يبصر الخاص ، وما يسمع من الحق بالواسطة وغير الواسطة.
والتاسع : ما يحصل لعين السر وسمع السر ، ترى تصرف الصفة ، ويبصر علامة كون الحالة في نور الصفة.
والعاشر : ما يحصل في سر السر ، وهو ظهور عرائس أقدار الغيبية ملتبسات بأشكال إلهية ربانية روحانية ، فيبصر تصرف الذات في صفات ، ويسمع الصفات بوصف الحدث والخطاب من الذات بلا واسطة ، وهناك منتهى الكشف والفراسة الحقيقية التي حذرها الخلق النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : «اتّقوا فراسة المؤمن ؛ فإنه ينظر بنور الله» (١).
فإذا وجب الخوف من فراسة من يرى بنور الحق ؛ فكيف لا يجب الخوف من فراسة من يرى بالحق لا بالغير؟!
قال الواسطي : السرائر متألهة بحظوظها ، مصروفة عن أوقاتها ، صدقها في تحركها ، أظهر عليها من صدقها في تعبدها ، تظهر من السرائر أبدا قهرا ، ما يوقفك عليها عفوا ، فيشرف المتفرس عليها في أوقاتها ؛ فيعرفها ، قال الله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) ، قال : هم المتصفحون المتفرسون.
وقال بعضهم في قوله : (لِلْمُتَوَسِّمِينَ) ، قال : هم المتفرسون ، وهم على ثلاثة أوجه بالنظر والسمع والعقل ، وأجل من هذا حال الكشف والمشاهدة لمن أوتيهما ، فيكون فراسته غائبا وحاضرا صحيحة.
وقال بعضهم : المتوسمون هم المتفرسون على السرائر ، فإذا أردت أن تعرف بواطنهم في الحقيقة ، فانظر إلى تصاريف أخلاقهم ، ومواقيت إشجابهم.
__________________
(١) رواه الترمذي (٥ / ٢٩٨) ، والطبراني في «المعجم الأوسط» (٣ / ٣١٢) ، والبيهقي في «الزهد الكبير» (٢ / ١٦٠).