يوافق حال العارف ، لا يحجبه عن صفاء الوقت حين صدر من الغيب.
قال المحاسبي : هو الفيء والغنيمة.
وقال أحمد بن علي الحواري : الطيبات المباحات في البوادي.
وقال ابن الجلاء : ما يفتح لك من غير طلب ولا استشراف ، ثم نزّه نفسه بما أولاه من رزق مشاهدة ، ومعرفة قدس وجلال وافر ذو جود ، وجوده من مشابهة الحدثان ، وأمر العبادات ينزهوه عن التشبيه والتصوير والأضداد ، بقوله : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) بيّن قدس القدم ، وأفرده عن شواهد الالتباس في مقام المحبة والعشق والشوق ؛ حيث دارت الهمة في طلب الحق في رؤية الكون ، وظهوره في لباس أفعاله ليعرف العارفون مقام إفراد القدم عن الحدوث ، ويدركوا بفهم الفهم تنزيه الصفة عن الفعل ، وقدس الذات عن الأوهام والإشارات والعبادات ، وضرب الأمثال بحقيقة ذاته ، فإنه قائم بنفسه ممتنع بذاته بالحقيقة عن درك الخليقة ، فكل مثل حقيقي يقع بالحقيقة ، فإذا تراه يقع على غير ذاته وصفاته ، فإنه منزه عن أن يدخل جلاله تحت العبارات والإشارات ، أو يباشر أنوار ذاته وصفاته لباس الحدوثية ، فالشاهدون يشهدون على أنفسهم بالحقيقة ، وهو تعالى يعرف حقيقة ذاته ، والخلق منعزلون عن إدراك أنوار صفاته وحقائق ذاته ، بقوله : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ؛ لكن يجوز ضرب المثل في طريق معرفته ومحبته والسير في عالم ربوبيته ، وتسهلا للسلوك ، وتيسيرا للعلم والإدراك ، ومن لطيف الإشارات أنه تعالى أعلم المحبين والعارفين الذين هم في مقام مشاهدته بنعت الالتباس أنهم إذا افترقت أوقات حالاتهم ، وانصرم أنوار وارداتهم ، وغابت أنوار شهود الحق عنهم ، وبقوا في محل الاشتياق إليه ألا ينشئوا من أنفسهم ميخاييل الصورية والأمثال الحدثية لما وجدوا منه ليتذكروا بها زمان الوصلة لئلا يقعوا في محض التشبيه ، ويغلطوا ويعلموا مثل الحق من أمثالهم ، كأن قال : لا تضربوا لما تجدون الأمثال ، فإنكم لا تقدرون ذلك ؛ ولكن أنا أضرب الأمثال لما ترون مني بالحقيقة ، مثلا تدركونني بلباسه وأنا قادر بذلك ، ولستم بذلك قادرين ، قال : (اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
ألا ترى إلى قوله في ضرب مثله : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ) وقوله تعالى : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) ، وقوله : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : إذا كان المثل الأعلى يجوز أن يضرب به كأنّه قال : فلا تضربوا الله الأمثال للتشبيه ؛ ولكن اضربوا الأمثال للدلالة عليه ، والأمثال تصوير ما في الغائب معنويّا ، لا صوريّا.
قال ابن عطاء : لا تضربوا لله الأمثال في ذاته وماهيته ؛ لأن الذات لا يمكن تعقله