باق على الدوام ، وأنى يقابل ما يفنى بما يبقى.
وقال ابن عطاء : أوصافكم فانية وأحوالكم بائية ، فلا تدعو منها شيئا وما من الحق إليكم باق ، فالعبد من كان فانيّا من أوصافه باقيّا بما لله عنده ، وهو تفسير قوله : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ).
وقال جعفر عليهالسلام : ما عندكم ينفد يعني الأفعال من الفرائض والنوافل ، وما عند الله باق من أوصافه ونعوته ؛ لأن الحديث يفنى والقديم يبقى.
قال أبو عثمان : جزاء الصبر هو أن يعطي الله العبد الرضا ، فمن تحقق بالصبر ولزم طريقة الصابرين فإن الله يثيبه على أحسن ثواب عاجلا وآجلا.
قال الله تعالى : (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
ويقال : ما عنكم من معارفكم ومحابكم آثار متعاقبة وصفات متناوبة أعيانها غير ثابتة ، وإن كانت أحكامها غير باطلة ، والذي يتصف بالحق به من رحمته بكم ومحبته لكم وثنائه عليكم ، فصفات أزلية ، ونعوت سرمدية.
ويقال : ما عندكم من اشتياقكم إلى لقائنا ، فيعرض الزوال وقبول الانقضاء ، وما وصفنا به نفسنا بما ورد به الاثار إلا طال ، شوّق الأبرار إلى لقائي ، وإنّا إلى لقائهم لأشد شوقا وذلك إقبال لا يتناهى وإفضال لا يفنى.
(مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧) فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨))
قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) معنى الاية أن العمل الصالح ثلاثة أشياء : التّبرّؤ من الكون وما فيه بنعت تصاغره في عين من يرى القدم ، وبذل الوجود لتصاريف الربوبية بنعت الرضا واللذة في البلاء ، ورفع النظر عن الجزاء ، والأعواض بكل حال ، وهو مؤمن أي موقن مشاهد في حاله وعلمه قبول الحق وإقباله إليه بوصف الرضا عنه ، وأيضا هو مشاهد ما وعده الله له من أحكام الغيب بنور البصيرة ، وأيضا وهو مخلص عن النظر إلى غير الله ، وهو مؤمن بما يقول هاتف الغيب في قلبه ، وأيضا هو مؤمن بأن وجوده وطاعته لا يليق بحضرة القدم ، من كان هكذا يلبس الحق سره وروحه وقلبه وعقله بركة حياته الأزلية ، فيحييه بحياته ، ويريه بهاء جماله ، ويصيره مستأنسا