بوصله ، معافا من فضله ، فيكون ملبسا في ظاهره وباطنه بلباس لطفه ، محروسا من قهره برعايته ، فمقامه مقام العافية خارجا من امتحان البلاء ، وهذا جزاء من أقبل عليه له لا لنفسه ولا لغيره ، فيبقى عيشه مع الحق بلا كدورة ولا فترة ، وفي جميع أنفاسه مشاهدة مكاشف خارج من نعوت التغاير النفسانية بحوادث الشهوات وخطوات الشيطان ، ما أطيب حاله وما أحلى شأنه وما ألذ حاله ، طوبى له ثم طوبى له.
روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الحياة الطيبة هي القناعة» (١).
وقال السوسي : الحياة الطيبة عيش الفقراء الصبر ، وقيل : عيش الفقراء الرضا.
وقال الجريرى : هو العيش مع الله ، والفهم عن الله.
وقال ابن عطاء : إسقاط الكونين عن سره حتى يبقى مع ربه.
وقال أيضا : روح اليقين ، وصدق نية القلب.
قال سهل : ذلك قلب بقى مع الله بلا رؤية الكون.
وقال جعفر : يعيش مع الخلق بالنفس ، وقلبه معلق بمشاهدة الله.
وقال أيضا : قلب مع الصفاء ، وروح مع اللقاء ، وبدن مع الوفاء.
وقيل : حياة القلب مع الله بحسن المعرفة وتجريد الهمة.
قال الصادق : القناعة والرضا.
وقال أيضا : إذا كان قلبه في محبة الله ، ولسانه في ذكر الله ، وجوارحه في خدمته ، فذلك حياة طيبة.
وقال أيضا : إذا اجتمع له خمس مقام وهو عيش السرمدية ، وحياة الأبدية ، وصدق العبودية ، وقرب الصمدية ، وملك الأزلية فذلك حياة طيبة.
وقال الواسطي : هو الرضا بالميسور ، والصبر على كربة المقدور ، فما طابت حياة أحد إلا بالرضا بما قدّر الله وقضى.
وقال الأستاذ في قوله : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) : العمل الصالح لا يكون من غير المؤمن.
فمعناه عمل صالحا في الحال وهو مؤمن في المال ؛ لأن صفاء الحال لا ينفع إلا مع وفاء المال ، فإن الأمور بخواتيمها.
ويقال : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) أي : مصدق بأن نجاته بفضل الله ، لا بعمله الصالح.
ويقال : الحياة الطيبة هو نسيم القرب.
ويقال : الحياة الطيبة ما يكون مع المحبوب ، وفى معناه قالوا :
__________________
(١) ذكره المناوي في «فيض القدير» (٤ / ٢٧٥).