فأين عدلك وإنصافك؟! أما آن وقت حصول المراد ، فتكشف لي جلال سرمديتك حتى أنظر إليك بك أبدا ، فكل نفس ليس هذا دأبها فهي محجوجة بمجادلتها ، محجوبة بعملها في الدنيا والاخرة ، وهو تعالى يعطي كل ذي فضل فضله ، ويعطي مأمول كل نفس بقدر طاعتها ، وهو منزه عن النسيان والظلم والضلال ، فيجازي الكل بإحسانه ، فإنه لا ينقص من ملكه مثقال ذرة ، وأن يدخل الكل في جواره ، ويريهم جماله.
قال بعض الخراسانيين : ذهب وقت الخلق في الدنيا اشتغالا بنفوسهم في الدنيا تجادل عنها ، وفي الاخرة تجادل عنها ، فمتى يتفرغ إلى معرفة الحق (١).
وقال الأستاذ : المؤمن لا نفس له ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ) [التوبة : ١١١] ؛ فأنفسهم اشتراها الحق منهم ، ثم أودعها عندهم ، فليس لهم فيها حق ، وإنما يراعون فيها أمر الحق سبحانه.
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨))
قوله تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ) القرية المطمئنة : قلب العارف الصادق المطمئن بذكر الله ، بل الله طمأنينته حين شاهده ، بكشف جماله وجلاله له ، أمر بلطف الله عن قهر الله ، وبرعايته عن طوارق الوسواس
__________________
(١) والمعنى اذكر يا محمد ويا كل من يصلح للخطاب يوم يأتي كل إنسان يجادل ويخاصم عن ذاته يسعى في خلاصه بالاعتذار كقولهم هؤلاء أضلونا وما كنا مشركين لا يهمه شأن غيره فيقول نفسي نفسي وذلك حين زفرت جهنم زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه حتى خليل الرحمن عليهالسلام وقال رب نفسي أي أريد نجاة نفسي. تفسير حقي (٧ / ١١٢).