سورة بني إسرائيل
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١) وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢))
(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) : في هذه الآية أربع إشارات : إشارة التقديس ، وإشارة الغيرة ، وإشارة الغيب ، وإشارة السرّ ، فأما إشارة التقديس فقوله : (سُبْحانَ) أي : منزّه عن إشارة الجهات والأماكن في الفوقية ، وما يتوهم إليه الخلق أنّه إذا وصل عبده إلى وراء الوراء إنه كان في مكان ، أي : لا تتوهموا برفع عبده إلى ملكوت السماوات إنه رفع إلى مكان ، أو هو في مكان ، فإنّ الأكوان والمكان أقل من خردلة في وادي قدرته.
ألا ترى إلى قوله عليهالسلام : «الكون في يمين الرحمن أقل من خردلة» (١) ، فالعندية والفوقية منزّهة عن أوهام المشبهة ؛ حيث توهّموا أنه أسري به إلى المكان ، أي : سبحان من تقدّس هذه التهمة.
وأما إشارة الغيرة فقوله : (الَّذِي) ، ولم يذكر من اسم الظاهر مثل الله والرحمن ؛ لأنّه غار بنفسه أن يراه أحد سوى عبده ، وما سمى النبي باسمه الظاهر أيضا غيرة عليه ، فرفع الاسمين من البين ؛ لئلا يطلع عليهما من العرش إلى الثرى.
وأما إشارة الغيب قوله : (أَسْرى) : سرّا على ما بين العبد والرب ، وقوله : (لَيْلاً) محل السر والنجوى ، فبان من التقديس إفراد القدم عن الحدوث ، وسقوط الاكتساب عن محل التفضل ، وكون الاختصاص له من البرية ، وطهارة القدم عن إحاطة الحدث به ، وبقاء العزة بوصفه عن محمدة العارفين وعرفان الموحدين ، وبان عن اسم المبهم حقائق المحبة ، وامتناع الصمدية عن إدراك الخليقة ، وبان من إشارة الغيب ظهور أنوار الربوبية وسطوع أنوار علم المجهول ، وبان من إشارة السر خطاب المتشابهات ، وغوامض علوم المشكلات ، والإشارة إلى وقائع أشراط الساعة أسرى بعبده من محل الإرادة إلى محل المحبة ، ومن محل المحبة إلى محل المعرفة ، ومن محل المعرفة إلى محل التوحيد ، ومن محل التوحيد إلى محل التفريد ، ومن محل التفريد إلى محل الفناء ، ومن محل الفناء إلى محل البقاء ، ومن محل البقاء إلى محل
__________________
(١) ذكره ابن عجيبة في «البحر المديد» (٣ / ٣١٥).