المحتجب بمحل الزينة ، والمنفرد برؤية الصفات.
وذلك قوله : (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً). العمل ها هنا ترك صورة الزينة والمزين والاشتغال بالمزين ؛ بأن آثار جماله مبين من كل ذرة فمن نظر إلى ذلك رأى الأشياء بالحقيقة.
لذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «اللهمّ أرنا الأشياء كما هي» (١) وأيضا : زينة الأرض أولياء الله والخلق ممتحنون بهم ؛ حتى من يعرف حقوقهم فحسن العمل النظر إليهم بالحرمة.
قال ابن عطاء : أحسن إعراضا عنها وتركا لها.
وقال سهل : أحسن توكلا علينا فيها.
وقال أيضا : حسن العمل الاستقامة عليها بالسنة.
وقال القاسم : زينة الأرض : الأنبياء والأولياء والعلماء الربانيون والأوتاد.
وقيل : أهل المعرفة بالله والمحبة له المشتاقون إليه هم : زينة الأرض ونجومها وأقمارها وشموسها.
وقال الجنيد : أهل الفهم عن الله هم الذين جعلوا ما على الأرض من زينتها عبرة لهم ؛ لئلا يتشاغلوا بشيء من الزينة ، ولا يعملوا بشيء من الزينة ، ويعملون لمن زين هذه الزينة.
قوله : (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ) أعلى همة وأطرب نفسا في الإعراض عما لا يبقى بالاشتغال بالباقي.
وقال الواسطي : أيهم أفزع قلبا وأصفى قصدا.
يقال : العباد بهم زينة الدنيا ، وأهل المعرفة بهم زينة الجنة.
ويقال : زينة الأرض تكون الأولياء ، وهم أمان في الأرض.
ويقال : إذا تلألأ أنوار التوحيد في أسرار الموحدين أشرق حمى الافاق بحيائهم.
وقال الأستاذ في قوله : (أَحْسَنُ عَمَلاً) أصدقهم نية ، وأخلصهم طوية.
ثم إنّ الله سبحانه لما آوى أولياؤه إلى حضرته القديمة ، بقي ما على الأرض من زينة
(صَعِيداً جُرُزاً) يابسا وأرضا فقرا لا نبات فيها ؛ ليتعطل الحدثان ، ويبقى الرحمن بقوله : (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) أي : تغرب شموس أنوار الصفات في مغارب الأفعال ، فلا يبقي في مرآة الفعل أثر من نور الصفة ؛ لأن نور الصفة رجع إلى معدنه من الذات وظهوره ؛ لأجل سلب قلوب الصديقين من الأولياء إلى تلك المعاهد ، فإذا بلغوا إلى مأواهم ذهب معهم أنوار الصفات.
__________________
(١) ذكره ابن عادل في تفسير اللباب (٣ / ٧).