وللنفوس محالّ ، وللقلوب مقارّ ، وللهمم مجال ، وحيثما يعتكف القلب ، فهناك يطلب أبدا صاحبه.
واعلم أن أصحاب الكهف هم السبعة الكمّل القائمون بأمر الحق دائما الذين يقوم بهم العالم ، ولا يخلو عنهم الزمان على عد الكواكب السبعة السيارة وطبقها ، فكما سخرها الله تعالى في تدبير نظام علم الصورة ، كما أشار إليه بقوله : (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤) فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥)) [النازعات : ٤ ، ٥] على بعض التفاسير.
وكل نظام عالم المعنى ، وتكميل نظام الصورة إلى سبعة أنفس من السابقين كل ينتسب بحسب الوجود الصوري إلى واحد منهم ، والقطب هو المنتسب إلى الشمس ، والكهف هو باطن البدن ، والرقيم ظاهره الذي انتقص بصور الحواس والأعضاء ، إن فسر باللوح الذي رقمت فيه أسماؤهم والعالم الجسماني ، إن جعل اسم الوادي الذي فيه الجبل والكهف والنفس الحيوانية ، إن جعل اسم الكلب والعالم العلوي ، إن جعل اسم قريتهم ، على اختلاف الأقوال في التفاسير.
ومنهم الأنبياء السبعة المشهورون المبعوثون بحسب القرون والأدوار ، وإن كان كل نبي منهم على ذكر وهم : آدم وإدريس ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه السابع المخصوص بمعجزة انشقاق القمر أي : انفلاقه عنه لظهوره في دورة ختم النبوة ، وكمل به الدين الإلهي. كما أشار إليه بقوله : «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض» (١) إذ المتأخر بالزمان والظهور أي الوجود الحسي هو الحائز لصفات الكل ، وكمالاتهم كالإنسان بالنسبة إلى سائر الحيوانات.
ولهذا قال : «كان بنيان النبوة قد تم ، وبقي منه موضع لبنة واحدة ، فكنت أنا تلك اللبنة» (٢).
وقد اتفق الحكماء المتألهة من قدماء الفرس أن مراتب العقول والأرواح على مذاهبهم في التنازل تتضاعف إشراقاتها ، فكل ما تأخر في الرتبة كان حظه من إشراقات الحق وأنواره ، وسبحات أشعة وجهه وإشراقات أنوار الوسائط بكل منها من مبادئها في الأزل. كما قال صلىاللهعليهوسلم : «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة» (٣) حتى انتهت الدرجات في العلو إلى الفناء والتوحيد الذاتي فبهذا الاعتبار يكون محمد صلىاللهعليهوسلم عين آدم ، بل عين السبعة وكذا باعتبار كونه
__________________
(١) رواه البخاري (٣ / ١١٦٨) ، ومسلم (٣ / ١٣٠٥).
(٢) رواه مسلم (٤ / ١٧٩٠).
(٣) رواه البخاري (٣ / ١٢٣٨) ، ومسلم (٤ / ١٩٥٨).