جامعا لصفاتهم.
كما قيل : إنه سئل أبو يزيد ـ رحمة الله عليه ـ أنت من السبعة؟ فقال : أنا السبعة.
وباعتبار علو مرتبته ومكانته وسبقه في القدم ، وارتفاع درجة كماله وفضيلته كان أقدمهم ، وأولهم وأفضلهم. كما قال : «أول ما خلق الله نوري ، وكنت نبيّا وآدم بين الماء والطين» (١) فهو متقدم عليهم بالرتبة والعلية والشرف والفضيلة ، متأخر عنهم بالزمان ، وهو عينهم باعتبار السر ، والوحدة الذاتية فالحاصل أن اختلافهم وتباينهم روحا وقلبا ونفسا لا ينافى اتحادهم في الحقيقة ، وكذا افتراقهم بالأزمنة لا ينافي معيتهم في الأزل والأبد وعيّن الجمع.
كما قال : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [البقرة : ٢٥٣] مع قوله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) [آل عمران : ٨٤] ويجوز أن يكون المراد بأصحاب الكهف : روحانيات الإنسان التي تبقى بعد خراب البدن.
وقول من قال : ثلاثة إشارة إلى الروح والعقل والقلب ، والكلب هي النفس الملازمة لباب الكهف ، ومن قال خمسة إشارة إلى : الروح ، والقلب ، والعقل النظري والعقل العملي ، والقوة القدسية للأنبياء التي هي الفكر لغيرهم ، ومن قال : سبعة فتلك الخمسة مع السر والخفاء ، والله أعلم.
(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) أي : كهف البدن بالتعلق به (فَقالُوا) بلسان الحال (آتِنا مِنْ لَدُنْكَ) أي : من خزائن رحمتك التي هي أسماؤك الحسنى (رَحْمَةً) كما لا يناسب استعدادنا ويقتضيه ، (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا) الذي نحن فيه من مفارقة العالم العلوي ، والهبوط إلى العالم السفلي لاستكمال (رَشَداً) استقامة إليك في سلوك طريقك والتوجه إلى جنابك أي : طلبوا بالاتصال البدني والتعلق بالايات الكمال وأسبابه الكمال العلمي والعملي.
قوله تعالى : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ) وصف الله سبحانه أول زمرة السبعة المختارة من أصحاب الكهف ، والثلاثة المختارة من أصحاب الرقيم ، وهم فتيان المعرفة الذين خلقوا بسجية الفتوة ، وفتوتهم إعراضهم عن غير الله ، وعن الكون جميعا ، وإقبالهم على الله بنعت
__________________
(١) روى عبد الرزاق في المصنف (١٨) عن معمر عن ابن المنكدر عن جابر قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أول شيء خلقه الله تعالى؟ فقال : هو نور نبيك يا جابر خلقه الله ، ثم خلق فيه كل خير ، وخلق بعده كل شيء ... الحديث ، وانظر : الجزء المفقود من الجزء الأول من مصنف عبد الرزاق (ص ٦٣) ، وشرف المصطفى للخركوشي (١ / ٧٠٣) ، وكشف الخفاء للعجلوني (١ / ٣١١) ، والمواهب اللدنية (١ / ٧١) ، ومواكب ربيع في مولد الشفيع للحلواني (ص ٢٧ ، ٣٣).