والأسرار ، وما سمعوا من الحق شغل أسماع خواطرهم عن أسماع الأصوات المختلفة.
قيل : أخذنا عنهم أسماعهم ؛ حتى لا يسمعوا إلا منا ، وأخذنا عنهم أبصارهم ، فلا ينظروا إلا إلينا ؛ حتى لا يكون لهم إلى الغير التفات ، ولا للغير فيهم نصيب بحال.
وقال ابن عطاء : أخرجنا منهم صفة البشرية ، وأفنيناهم بصفات القدسية ، قدسنا ظواهرهم وبواطنهم وجعلناهم أسراء في القبضة ، ثم رددناهم إلى هياكلهم وصفاتهم بقوله : (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ).
قال أيضا : إن الفائدة في الضرب على الاذان ، وليس للاذان في النوم شيء إنه ضرب على آذانهم ، حتى لا يسمعوا الأصوات ، فينتبهوا ويكونوا من الخلق كلهم في راحة.
قال الأستاذ : أخذناهم عن إحساسهم بأنفسهم ، واختطفناهم عن شواهدهم بما استغرقناهم فيه ، وحقائق ما كنا سقيناهم به من شهود الأحدية ، وأطلعناهم عليه من دوام نعت الصمدية ، فلما استوفوا حظ شهود الغيب ، ولطائف مقام السكر ، وأراد أن يجعلهم من مقام الصحو لهم حظّا ، رفع عنهم برجاء الهيبة ، وسجوف ليالي الحشمة ، وآفاقهم عن خمار السكرة بقوله : (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) أقامهم مقام الاستقامة ؛ ليعرفوا منازل القرب بنعت الصحو ؛ لأن السكارى صيروا في قفار الديمومية بالحظ ، والوجد لا بالمعرفة ، وليعرفوا مسالك الحقيقة أهل الإرادة.
قال الأستاذ : أي رددناهم إلى حال صحوهم أوصاف تمييزهم ، أقمنا شواهد التفرقة بعد ما محوناهم عن شواهدهم بما أقمناهم بوصف الجمع.
(ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) أي : نبهناهم عن نوم الغفلة بقيامهم عن مرقد البدن ، ومعرفتهم بالله وبنفوسهم المجردة (لِنَعْلَمَ) أي : ليظهر علمنا في مظاهرهم أو مظاهر غيرهم من سائر الناس (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) المختلفين في مدة لبثهم ، وضبط غايته الذين يعينون المدة أم يكلون علمه إلى الله ، فإن الناس مختلفون في زمان الغيبة.
يقول بعضهم : يخرج أحدهم على رأس كل ألف سنة ، وهو يوم عند الله ؛ لقوله : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج : ٤٧] إلى الحق عند كل جبار هو دقيانوس وقته ، كنمرود وفرعون وأبي جهل وأضرابهم ممن دان بدينهم ، واستولى عليه النفس الأمارة فعبد الهوى أو ادعى لطغيانه ، وتمرد أنائيته وعدوانه الربوبية من غير مبالاة عند معاتبته إياهم على ترك عبادة الصنم المجعول ، كما هو عادة بعضهم أو صنم نفسه. كما قال فرعون اللعين : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) ، (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ