والعمل ، وأيضا عرف حدته ، وخاف من جواب سؤاله الذي من عالم سرّ سر الربوبية العلية فخاف منه بأن يتطاول على شيخ من شيوخ القصة ، وكيف لا يفرغ منه وعلم وكزته التي ذهبت بإحدى عيني عزرائيل عليهالسلام.
قال النصر آبادي : لما علم الخضر انتهاء علمه وبلوغ موسى إلى منتهى التأدب ، قال : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) (١) لئلا يسأله موسى بعده عن علم أو حال فيفضح.
وقال أبو بكر بن طاهر : كان موسى ينهى الخضر عن مناكير في الظاهر ، وإن كان للخضر فيه علم لكن ظاهر العلم ما كان يأمر به موسى فلما نهاه عن المعروف بقوله : (قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) ورده الطمع.
قال : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ).
(وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢) وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣))
قوله تعالى : (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً) قد عجبت من هذا الأمر ، وأن الله سبحانه كان في الأزل عالما بذلك قادرا على أن يخلقه مؤمنا ، ولم يطبع على قلبه الكفر حتى لا يكون أبواه بسببه كافرين ، لكن حكمته الأزلية جارية بغير إدراك إفهام الفهماء ، وهو لا يحتاج إلى قتل الغلام بغير جرم ، بل هو قادر على أن يهديه إلى طريق الحق ؛ حتى لا يغشى عليه ، وعلى أبويه ظلمة الكفر (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) [الحج : ١٨] و (يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) [المائدة : ١] ظاهر الاية كأنها تنبئ أن اكتساب البشر مانع القدر ، كقتل الخضر الغلام يمنح صيرورة كفر أبويه ، والأمر على مما يتوهم المتوهمون فيه ؛ لأن ذلك بيان وصف عين الجمع في العالم أن الخضر كان فعل الله ، والغلام فعل الله ، والقتل فعل الله ،
__________________
(١) فالتأويل : رجوع الشيء إلى ماله ، والمراد هنا : المال والعاقبة ، وهو خلاص السفينة من اليد العادية ، وخلاص أبوي الغلام من شره ، مع الفوز بالبدل الأحسن ، واستخراج اليتيمين للكنز ، وفي جعل صلة الموصول عدم استطاعته ، ولم يقل : «بتأويل ما رأيت» ؛ نوع تعريض به ، وعناية عليهالسلام. البحر المديد (٣ / ٤٢٤).