وأيضا قال أما قوله : (فَأَرَدْتُ) كان شفقة على الخلق ، وقوله : (فَأَرَدْنا) رحمة ، وقوله : (فَأَرادَ رَبُّكَ) رجوعا إلى الحقيقة.
وقال الحسين في قوله : (فَأَرَدْتُ) وأردنا ربك المقام الأول استيلاء الحق ، والمقام والثاني مكالمة مع العبد ، والمقام الثالث رجوع إلى باطن الغلبة في الظاهر ، فصار به باطن الباطن ظاهر الظاهر ، وغيب الغيب عيان العيان وعيان العيان غيب الغيب ، كما أن القرب من الشيء بالنفوس هو البعد فالقرب منها بما هو القرب.
قصة ذي القرنين مشهورة ، وكان روميّا قريب العهد والطبيعي أن ذا القرنين في هذا الوجود هو القلب الذي ملك قرينه أي : خافقيه شرقها وغربها (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ) في الأرض البدن بالأقدار والتمكين على جميع الأموال من المعاني الكلية والجزئية ، والسير إلى أي قطر شاء من الشرق والمغرب (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) إرادة من الكمالات.
(سَبَباً) أي : طريقا بتوصل به إليه (فَأَتْبَعَ) طريقا بالتعلق البدني وتوجه إلى العالم السفلي.
(حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) أي : مكان غروب شمس الروح (وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أي : مختلطة بالحمئة وهي المادة البدنية الممتزجة من الأجسام الفاسقة ، كقوله : (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) [الإنسان : ٢]
(وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) هم القوى النفسانية البدنية والروحانية (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) بالرياضة والقهر والإماتة (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) بالتعديل وإيفاء أحظ (قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) بالإفراد وعدم الاستسلام والانقياد كالشهوة والغضب والوهم والتخيل (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) بالرياضة
(ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) في القيامة الصغرى (فَيُعَذِّبُهُ) بالإلقاء في نار الطبيعة (عَذاباً نُكْراً) أي : منكرا أشد من عذابي ، وفي القيامة الكبرى فيعذبه عذاب القهر والإفناء (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ) بالعلم والمعرفة كالعاقلتين ، والفكر والحواس الظاهرة (وَعَمِلَ صالِحاً) بالسعي في اكتساب الفضائل والانقياد والطاعة (فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) المثوبة (الْحُسْنى) من جنة الصفات ، وتجليات أنوارها وأنهار علومها (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) أي : قولا ذا يسر بحصول الملكات الفاضلة (ثُمَّ أَتْبَعَ) طريقا هي طريق الترقي والسلوك إلى الله بالتجرد والتزكي.