(حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ) أي : مطلع شمس الروح (وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ) هم العاقلتان والفكر والحدث والقوة القدسية (لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) أي : حجاب بالتنور بنورها ؛ لإدراكهم المعاني الكلية (كَذلِكَ) أي : أمره كما وصفنا (وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ) من العلوم والمعارف (عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) لا يتجاوزن حاجزا لا يعلونه ، وذلك هو الحد الشرعي والحجاب القلبي من الحكمة العملية (قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي) من المعاني الكلية والجزئية الحاصلة بالتجربة ، والسير في المشرق والمغرب (خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) أي : عمل وطاعة.
(أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) هو الحكمة العملية والقانون الشرعي (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) من الصور العلمية وأوضاع الأعمال (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) بالتعديل والتقدير قال للقوى الحيوانية (انْفُخُوا) في هذه الصور نفخ المعاني الجزئية ، والهيئات النفسانية من فضائل الأخلاق.
(حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) أي : علا برأسه من جملة العلوم يحتوي على بيان كيفية الأعمال (قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) والنية والقصد الذي يتوسط بين العلم والعمل ، فيتحد به روح العلم وجسد العمل ، كالروح الحيواني المتوسط بين الروح الإنساني والبدن ، فحصل سدّا أي : قاعدة وبنيان من زبر الأعمال ونفح العلم والأخلاق ، وقطر العزائم والنيات ، واطمأنت به النفس وتدبرت فامنت.
(فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) (١) ويعلوه ؛ لارتفاع شأنه وكونه مشتملا على علوم وحجج لم يمكنهم دفعها والاستيلاء عليها (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) لاستحكامه بالملكات والأعمال والأذكار (قالَ هذا) السد أي : القانون (رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) على عباده يوجب أمنهم وبقاءهم (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) بالقيامة الصغرى (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) باطلا منهدما ؛ لامتناع العمل به عند الموت وخراب الالات البدنية.
(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا
__________________
(١) أي : يعلوه بالصعود لارتفاعه ، والفاء فصيحة ، أي : ففعلوا ما أمرهم به من إيتاء القطر ، فأفرغوه عليه ، فاختلط والتصق بعضه ببعض ، فصار جبلا صلدا ، فجاء يأجوج ومأجوج فقصدوا أن يعلوه أو ينتقبوه. البحر المديد (٣ / ٤٣٥).