الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨) وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠))
قوله تعالى : (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) أخبر سبحانه عن ذي القرنين عليهالسلام أن أعطاه خلقه قدرته ، وألبسه تمكين فعل حتى سهل له قلب الأشياء ، وكان يفعل ما يشاء بالله ، ويحكم بحكمه ما يريد ، وكان مجمع عين الجمع من حيث نور تجلي الذات والصفات والفعل فيه معنى (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) من كل ما في الملكوت السفلي له برهانا ، وحكمة ، وعلما ، ومعرفة بالله ، وسببا إلى قرب الله من أن ذلك الشيء له ، كان مرآة الحق يرى فيها علوم الغيبية ، وحكم القدرية ، ويبلغ بها إلى معادنها من أسرار الأزلية فكان مقام تدريج الترقي من عالم الفعل إلى عالم الصفة ، ومن عالم الصفة إلى عالم الذات ، ولو كان على محل تحقيق الكلي ؛ لما أحاله الحق إلى الأسباب من الأشياء ، الحدثاني التي هي وسائط الحكمة ، وأخرجه من الأشياء إلى معدن الأصل ، وهو دنو الدنو كما فعل بحبيبه عليهالسلام حيث أخرجه من الحدثان وأفرده من جميع الأسباب ، وبلغه إلى حقيقة الحقيقة ؛ حيث شاهد الحق بالحق وفني الكل فيه ، ولم يصرف طرفه إلى الغير ؛ حيث لا حيث ولا غير.
وهذا وصف قول الله سبحانه وتعالى : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) [النجم : ٨].
وقال : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) [النجم : ١٧].
قال ابن عطاء في قوله : (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ) جعلنا الدنيا طوع يده فإذا أراد طويت له