سورة مريم
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥))
(كهيعص (١)) أخبر الله سبحانه عن «كاف» كان وجوده الأزلي القدمي الأبدي كقوله تعالى «كان الله» ، والإشارة فيها إلى كون وجوده قبل كون الكون ، وإشارة الحقيقة بالكاف خبر عن سرّ القدم قد صابها العارفين إلى غيبوبيتهم في قفار الأولية والاستغراق في بحار القدمية ليعرفوا بالأولية الأولية ، وأيضا تجلى من كينونية الأحدية التي قيل كل علة على قلوب الموحدين لتغرقهم في بحار كبريائه ، ويفنيهم في أنوار كنه ذاته فأشهدهم كائنة الذات والصفات وبصّرهم بنور كبريائه ، فأبصروا بعيون سره نورية مكحولة بنور كبريائه فأبصروا بها مشاهدة كنه ذاته ، فذابوا فيه فأغرقتهم أنوار مشاهدة الكنه في بحر كمال الذات والصفات حتى لم يبقوا فيها ، وأبقاهم نور كاف الكفاية ، وبرز لهم سنا كاف حكمته الأزلية فعرفوا بها فناءهم في بقائه وبقاءهم ببقائه فطلبوا بقاء البقاء بلا فناء ليستوفوا في البقاء حظ مشاهدة البقاء ، فانكشف لهم «كاف» بحار الكرم من صفات الكريم ، فأوصلهم إلى بساط قربه فظهر من عين عيون الغيب نورها الهوية وغيبهم في غيب الغيب ، وهداهم إلى قرب القرب ، ثم هداهم إلى دنور الدنو ، وهداهم إلى وصل الوصل ثم هداهم بنعت التعريف والمعرفة إلى مشاهدات الصفات ، ثم إلى مشاهدات الذات فلما بهتوا في الغيب وتاهوا فيه وادي غيب الغيب ، ولم يعرفوا من علم الربوبية ذرة ولم يروا من حقيقة الحقيقة شيئا فأخذهم «يا» نداء القدم مع أصوات أجراس الوصلة فلما وصلوا وقفوا بنعت الجهل بالحقيقة على الحقيقة ، فخرج أنوار عين علم القدم فعرفهم النعوت والأسامي.
ثم أعلمهم الصفات والمعاني ، ومكنهم بالحق في الحق مع الحق فطلبوا من الحق ما وجد الحق لهم من عظيم عطايا فيض جلاله وجماله فبان نور «صاد» صبح صدق ظهور أسرار الحق لهم فاكتسبوا بها ، وصاروا عارفين بها صادقين في صدق رويتها في دعوى معرفتها ومحبتها ، فما أشرنا بهذه المقالة فهو من رموز الحق في مفاتيح كنوز الذات والصفات وهي