فصرف نظر نبيه عن ذلك حتى ينظر إليه صرفا بلا واسطة.
ألا ترى إلى قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) [الفرقان : ٤٥] ، ولا أن روحه كان عاشقا بالله مستأنسا بكل شيء مليح ، وبأن نظره أعظم من أن ينظر به إلى شيء دون الله.
قال الواسطي : هذه تسلية للفقراء وتعزية لهم حيث منع خير الخلق عن النظر إلى الدنيا على وجه الاستحسان ثم بيّن أن ما له من المكاشفة والمشاهدة والقربة والرسالة بلا واسطة خير مما كان له في رؤية الكون بقوله : (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣٦)) رزقه وصاله وكشف جماله ثم أمره بالعبودية وملازمة الطاعة بقوله : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) [طه : ١٣٢] ، الاصطبار مقام المجاهدة ، والصبر مقام المشاهدة (١).
قال ابن عطاء : أشد أنواع الصبر الاصطبار ، وهو السكون تحت موارد البلاء بالسر والقلب والنفس والصبر بالنفس لا غير.
وقال الجنيد : أي : وأمر أهلك بالاتصال بنا ، والاصطبار على تلك المواصلة معناه :
ومن يطيق ذلك إلا المؤيدون من جهتنا بأنواع التأييد.
قال يحيى بن معاذ : للعابدين أردية يكسونها من عند الله سداها الصلاة ولحمتها الصوم ثم بيّن أن عواقب السعادة مقرونة بالتقوى بقوله : (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢)) التقوى الخروج مما دون الله والحياء في إجلال الله.
قال أبو عثمان : هو ذم النفس والجوارح عن جميع ما يقبحه العلم.
سورة الأنبياء
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ
__________________
(١) قال الحرالي. ويصح أن يراد بها الدعاء ، فمن صبر عن الدنايا وعلى المكاره وأنهى صبره إلى الصوم فأزال عنه كدورات حب الدنيا وأضاف إلى ذلك الصلاة استنار قلبه بأنواع المعارف ، فإذا ضم إلى ذلك الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى بلغ نهاية البر. نظم الدرر (١ / ٨٥).