بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥))
(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١)) إن الله سبحانه حذّر الجمهور من مناقشته في الحساب ، وزجرهم حتى ينتبهوا عن رقاد الغفلات وترك الحساب أقرب من كل شيء منهم لو يعلمون ، فإنه تعالى يحاسب العباد في كل لمحة ونفس ، وحسابه أدق من الشعر وأخفى من دبيب النمل على الصفا ، ولا يعرف ذلك إلا المراقبون الذين يحاسبون أنفسهم في كل نفس وخطرة وهم في غفلة في حجاب عن مشاهدة الله معرضون عن طاعته إذ لا حظ لهم في الطاعات ، ولا شرب لهم في المشاهدات ويا غافلا لو تدري حلاوة حساب الله ودقائق تعريفه مكان السهو والغلط تحاسب نفسك في كل نفس ، ما أحلى خطابه وإلهامه في تعبير العارفين ، ما أطيب مسامرته مع الصديقين في مؤاخذته دقائق الخطرات كأن بطون علم المجهول قد أشارت إلى أن هذا حركة جرسات الوصلة ولمعات أنوار القربة ، كما قيل :
ويبقى الودّ ما بقي العتاب
وقال بعضهم : دنا أوان الانتباه ، وهم في غفلتهم معرضون عن طريق التوبة والعظة والانتباه.
قال بعضهم : قرب أوان اللقاء وهم في غفلة عن استصلاح أنفسهم لتلك الحضرة ،
ثم وصف سبحانه القلوب الغافلة بقوله : (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) ساهية عن الذكر وحقائقه ولذته ، شاغلة بحظوظ نفسها محجوبة عن لقاء خالقها.
قال ابن عطاء : معرضة عن طريق رشدهم.
وقال بعضهم : غافلة عن مسالك اليقين وطريق المتقين.
قال الواسطي : لاهية عن المصادر والموارد والمبدأ والمنتهى.
(ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩))
قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧)) أي : فاسألوا أهل شهود جمال المذكور القديم بنعت صفاء الذكر في قلوبهم من مشرق نور مشاهدته ، وهم الذين مخاطبون من الله بكل سر وكل حقيقة من علوم الغيبية الأزلية.
قال سهل : فاسألوا أهل الفهوم عن الله والعلماء به وبأوامره ونواهيه.