قال بعضهم في قوله : (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) أي : على هدايتكم لو كانت الهداية إليه ، مشفق على من اتّبعه أن يأتيه نزغة من نزغات الشيطان ، رحيم يستجلب برحمته له رحمة الله إيّاه.
وقال : (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) : أن تبلغوا محل أهل المعرفة.
قال جعفر الصادق : علم الله عجز خلقه عن طاعته ، فعرّفهم ذلك ؛ لكي يعلموا أنّهم لا ينالون الصفو من خدمته ، فأقام بينه وبينهم مخلوقا من جنسهم في الصورة ، فقال :
(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) ، فألبسه من نعته الرأفة والرحمة ، وأخرجه إلى الخلق سفيرا صادقا ، وجعل طاعته طاعته ، وموافقته موافقته ، فقال : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) ، ثم أفرده عليهالسلام لنفسه خاصة بعد أن كان من جنسهم بالصورة ، فاواه إلى نفسه بشهوده عليه في جميع أنفاسه ، وسلّى قلبه بإعراضهم عن متابعته ، بقوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ) في أمر النبوّة ، وشرف الرسالة وجماله ، حسبي عن الجملة ، وقربه ووصاله يكفيني عن جميع مراتب الثقلين ؛ لأنه بوحدانيته منزّه عن الأضداد ، فنزّهني عن صحبة الأغيار بمشاهدة الأنوار بوصفه لنفسه : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : لا غير في البين من العرش إلى الثرى.
(عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) لا على نفسي وغيري ، فإنه عماد المتوكّلين ، وبه ثبتت قلوب الصادقين.
(وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) حيث ألبس العرش أنوار عظمته بعظمته ، ولو لا ذلك لذاب العرش في سبحات وجهه بأقلّ لمحة.
سورة يونس
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (١) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (٢) إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣))