أنوار الصفات والذات بإرادته ومحبته ، (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) : تبتغوا من وجوده ، (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٤٦) : ظهور الربوبية في العبودية ، قيل رياح القدس تبشّر بمنازل الأنس.
وقال النصرآبادي : هو أن يظهر عليك أوائل الاسترواح إلى ذكره ، فيكون ذلك إشارة بالوصول إلى المذكور.
(فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠) وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣))
قوله تعالى : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) (١) إن الله سبحانه يزين الأرض بأنوار فعله ، فينبت الحضر بورد الورد ، ويضيء الزهر والنبات ، ويتجلى من أنوار صفته فيها لا عين العارفين الذين شاهدوا الله بنعت الحسن ، ووصفهم الأنس بالورد والريحان والسماع ووجوه الحسان ، ألا ترى إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم كيف أشار بقوله «النظر إلى الوجه الحسن يزيد في البصر» (٢) ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «النظر إلى الخضرة والماء الجاري يزيد في البصر» (٣).
قيل : أي يحيي الأنفس الميتة بالشهوات ، والقلوب الميتة بالغفلات بأنوار معرفته وآثار هدايته.
قال الأستاذ : يحيي الأرواح بعد حجبتها بأنوار المشاهدات ، فتطلع شموسها من برج
__________________
(١) اعلم أن وجه الإنسان عند مسّ الهمّ ، ووقت الغمّ ؛ كوجه الأرض في الشتاء حيث إن كلّا منهم يتغيّر عن حاله ؛ وهو موته ، ثم يحييه الله برحمته التي هي المطر بالنسبة إلى الأرض ، والسرور بالنسبة إلى القلب ، وأثر تلك الرحمة ؛ الخضرة في وجه الأرض ، والانبساط في البشرة ، فقد أشارت الآية بأن ذلك الموت ليس بمستمر ؛ بل يتعقّبه الحياة على ما يقتضيه الأسماء الإلهية الحاكمة على هذا العالم ، المدبّرة في الأنفس ، والآفاق المؤثّرة في الظاهر والباطن ، ولمّا كان ذلك موقوفا على النظر الصحيح ؛ قال : فانظروا ، ونظير ذلك الليل والنهار والنوم واليقظة ، والسحابة على وجه الشمس ، والانكساف والكدورة للماء وصفوته ، ثم الموت والحياة المذكوران ، وإن كانا مجازيين عند أرباب الظاهر ؛ لكنهما حقيقتان عند أهل الباطن ، فإن للأرض روحا نباتيا ، كما أن للإنسان روحا حيوانيا بل للإنسان روح نباتي أيضا به يشتهي الأكل والشرب ، وبه تربيته في بدنه لا بالروح الحيواني ، وإن كان الروح الحيواني مبدأ الحسّ الحركة.
(٢) ذكره العجلوني في كشف الخفا (١ / ٣٨٧).
(٣) رواه الشهاب في مسنده (١ / ١٩٣).