مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨) وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩))
قوله تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) : إنه عدونا ؛ لأنه من عالم القهر خلق ، ونحن من عالم اللطف خلقنا ، والطبعان مخالفان أبدا ؛ لأن القهر واللطف تسابقا في الأزل فسبق اللطف القهر ؛ فعداوته من جهة الطبع الأول والجهل بالعصمة وأنوار التأييد والنصرة ، ومن لا يعرفه بما وصفنا كيف يتخذه عدوّا وهو لا يعرف مكائده ولا يعرف مكائده إلا ولي أو صديق.
قال الواسطي : (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) بما نصركم عليه ، واحذروا ألا يغلبنكم ؛ فإنه إنما يدعو حزبه ، وحزبه هم الراكنون إلى الدنيا والمحبون لها والمفتخرون بها.
وقال جعفر الصادق : من سمع هذا النداء من الله تعالى وجب عليه بهذا النداء نصب آلة العداوة بينه وبين عدوه ، ولا ينفكّ من محاربته طرفة عين كلما عارضه بشيء قابله بغيره إن عارضه بزينة الدنيا قابله بسرعة الفناء ، وإن عارضه بطول الأمل قابله بقرب الأجل ، فهو دائم منتبه مستعد لمحاربته ؛ لما يعلم أن الشيطان لا يغفل عنه ، وأنه يراهم من حيث لا يرونه.
قال سهل في قوله : (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ) : أهل البدع والضلالات والأهواء الفاسدة والسامعين ذلك من قائلها.
قال الواسطي : حذر حزبه ومتابعته ، وأمر بطرده بضياء المبادرة في العهود وحفظ الحدود ورعاية الود بطرد الوساوس ، كما أن بضياء النهار طرد الكلاب من المحابس ، وأنشد :
ومن رعى غنما في الأرض مسبعة |
|
ونام عنها تولّى رعيها الأسد |
وما فهمت من هذه الآية أن الله سبحانه أراد أن يعرف عباده من محاربة الشيطان معالم قهرياته وحفظ الأوقات والأنفاس من خطراته ؛ لأن الشيطان يغوي المصطفين بالولاية ، (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ) من أصحاب الضلالات الذين طردهم الله عن بابه وهو يعرفهم ، وإنما هو يدعوه لا أن الضلالة بيده كما لا تعلق الهداية بالأنبياء.
(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠) وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ