فالمعنى الحرفي صار جزئيا ذهنيا بهذا اللحاظ ، بحيث يباين نفسه اذا لوحظ ثانيا ولو كان اللاحظ واحدا ، لكون الملحوظات الذهنية متباينات كالجزئيات الخارجية. ولكن ينبغي ان يعلم انّ اعتبار اللحاظ الذهني جزء للمعنى الحرفي يستلزم ثلاثة اشكالات :
الاول : انّه مستلزم للتسلسل. اذ حين استعمال لفظ في معناه لا بد من تصور المعنى فيلزم تعدد اللحاظ حسب تعدد الاستعمال الى ان ينتهي الى ما لا نهاية له. مضافا الى انّ تعدد اللحاظ يكون على خلاف الذوق السليم.
الثاني : انّه يلزم عدم صدق المعنى الحرفي على الامر الخارجي لامتناع صدق الكلّي العقلي عليه ، حيث أنه لا موطن له الّا ذهنا ، اي في الذهن.
الثالث : انّه كما لا يكون اللحاظ الاستقلالي قيدا لمعنى الاسم ، فكذا اللحاظ الآلي لا يكون جزء للمعنى الحرفي حتى يصير معنى الاسم والحرف جزئيا ذهنيا. فالتفكيك بينهما تحكّم وهو غير مسموع. فان قيل انّه لم يبق فرق بين الاسم والحرف ، فيلزم ترادفهما ، ولازمه استعمال كل منهما في محل الآخر ، فيجوز استعمال لفظ (على) موضع الاستعلاء ، ولفظ (من) محل الابتداء ، لكنه لا يصح اي باطل ، اذ لا يصح سرت ابتداء البصرة انتهاء الكوفة موضع (من) و (الى). قلنا انه لا فرق بينهما في ذات المعنى وانّما الفرق في كيفية الوضع ، لانّ الاسم وضع ليراد منه معناه مستقلا ، والحرف وضع ليراد منه آليّا.
فالاختلاف في كيفية الوضع موجب لعدم جواز استعمال كل منهما موضع الآخر ، فالاستقلالية والآلية لا تكونان من قيود المعنى ومن مقوماته وهو واضح.
الخبر والانشاء :
قوله : ثم لا يبعد ان يكون الاختلاف بين الخبر والانشاء في كيفية الوضع ايضا مع اتحادهما في ذات المعنى. ولتوضيح هذا نحتاج الى تمهيد مقدمة : وهي انّه تكون للاشياء اربعة وجودات ، الاول وجود عيني ، والثاني وجود ذهني ، والثالث وجود لفظي ،