والرابع وجود كتبي. فلا يكون للانشاء الوجود الخارجي العيني اذ هو يكون ايجاد المعنى مقارنا للفظ ، ولذا لا يحتمل فيه الصدق والكذب ، اذ مناطهما مطابقة النسبة الكلامية للنسبة الخارجية ، وعدم المطابقة ، اي عدم مطابقتها لها ، فالأول صادق ، والثاني كاذب.
اذا تمهّد هذا فنقول : انّ الخبر وضع للاخبار عن ثبوت نسبة في الخارج أو عن نفيها فيه ، والانشاء وضع لايجاد نسبة أو نفيها فيه. فالفرق في كيفية الوضع. فالملاك فيهما هو القصد ، اي قصد اللافظ ، فلا فرق بينهما في اصل المعنى ، اذ قصد الحكاية في الخبري وقصد الايجاد في الانشائي يكونان من خصوصيات الاستعمال ومن اطواره فلا دخل لهما في ذات المعنى.
المبهمات
قوله : ثم انه قد انقدح من التحقيق الذي سبق ان يكون الوضع والموضوع له والمستعمل فيه عامات في المبهمات ، نحو الضمير واسم الإشارة والموصول ، وتشخّص المعنى نشأ من قبل الاستعمال. بيان ذلك هو : حيث ان اسماء الإشارة وضعت ليشار بها الى المشار اليه ، وكذا ضمير الغائب وضمير المخاطب وضعا ليخاطب بهما وليشار بهما ، والإشارة والتخاطب يقتضيان تشخص المشار اليه والمخاطب.
غاية الامر ان اسم الإشارة يحتاج الى التشخص الخارجي ، واسم الجنس والمشتق والحروف تحتاج الى التشخص الذهني. فلا دخل له في المعنى وهو لا يسري الى المعنى فيها ، فلذا لا يكون في كلام القدماء اثر من كون الموضوع له أو المستعمل فيه خاصا ، وانما ذهب اليه بعض المتأخرين ، ولعل منشأه انّ قصد الاستقلالية والآلية من قيود الموضوع له أو من قيود المستعمل فيه ، والحال انّ قصد المعنى ، سواء كان استقلاليا أم كان آليا ، وسواء كان اخباريا أم كان انشائيا ، لا يكون من شئون المعنى ومن قيوده ، بل من شئون الاستعمال واطواره ، فتلخص مما ذكرنا