والثالث : ان يقال بتقييد اطلاق الشرط في كل واحد من الجملتين بالاخرى إذ وجوب التقصير في الاول معلق على خفاء الاذان سواء خفيت الجدران أم لم تخف ، فخفاء الجدران في الثاني مقيد لاطلاقه ، كانّه قيل : (إذا خفي الاذان والجدران معا فقصّر) فتكونان معا علتين لوجوب التقصير ، لا كل واحد منهما مستقلا ، وعليه يجب عند اختفائهما معا لا عند اختفاء احدهما ، وفي ضوء هذا فلا تنافي بين المفهوم والمنطوق ، أي بين مفهوم احدهما ومنطوق الآخر ، إذ المفهوم يصير بهذا الشكل : (إذا لم يخف الاذان والجدران معا فلا يجب التقصير) وهذا الوجه يوجب سقوط الظهور الثالث ، وهو استقلال الشرط في حكم الجزاء.
والرابع : ان يكون الشرط قدر الجامع بين الشرطين للقاعدة المشهورة بين الفلاسفة ، وهي : «ان الواحد لا يصدر إلّا من الواحد» وهى متفرعة على مقدمتين :
احداهما : لا بد من الربط والسنخية بين العلة والمعلول ، كالسنخية بين النار والاحراق مثلا ، وإلّا لصدر كل شيء من كل شيء وهو غير معقول ، إذ لا يمكن ان يصدر غير المحدود عن المحدود بحد خاص.
واخراهما : ان الشيء الواحد من حيث هو واحد لا يمكن ان يكون مرتبطا ومتسنخا بالامور المتعددة من حيث هي متعددة مختلفة عنوانا وأوصافا ، وإلّا لزم اجتماع الاضداد فيه ، مثلا : الحرارة لو كانت مرتبطة بالنار والماء من حيث هما نار وماء للزم اجتماع الحر والبرد فيها ، وهو محال عقلا. فتعدد الشرط في المقام قرينة واضحة عقلية على ان الشرط في كل من الجملتين ليس مؤثرا في الجزاء بعنوانه الخاص المعين ، وهو خفاء الاذان وخفاء الجدران معا ، وإلّا لزم ان يكون الشيء الواحد وهو وجوب التقصير مرتبطا بالشيئين بما هما شيئان ، بل المؤثر فيه هو القدر الجامع بينهما ، وهو البعد الخاص عن محل السكنى ، وجعل الشارع المقدس خفائهما علامة لذاك البعد الخاص تسهيلا على العباد ، فذاك البعد مصداق للعنوان الذي يشملهما ، أي خفاء الاذان وخفاء الجدران ، والعنوان هو الخفاء المطلق. فهذا