والالتزام بوضعها للخطاب الحقيقي فاسد أيضا فلا مناص حينئذ من وضعها للخطاب الإيقاعي الانشائي ، فكما ان خطابات الملوك والأمراء قانونية ليست مبنية على ملاحظة خصوصية حضور مجلس الخطاب فكذا أحكام الشرع الأنور قانونية حرفا بحرف.
وتوهم صحة التزام التعميم في خطاباته جلّ وعلا لغير الموجودين ، فضلا عن الغائبين لاحاطة علمه تبارك وتعالى بالموجود في الحال وبالموجود في الاستقبال لتساوي نسبة الممكنات اليه وحده لا شريك له ، فاسد جدا ، لان احاطة علمه جلّ جلاله لا توجب صلاحية المعدوم ، بل الغائب للخطاب الحقيقي الذي يشترط فيه حضور المخاطب ، بل التفاته وانكار هذا مكابرة ، بل لا يصح عقلا ان يجعل الصبي والمجنون مخاطبا بالخطاب الحقيقي مع وجودهما ومع اتصافهما بالانسانية. فالمعدوم أجدر بعدم صحة الخطاب منهما. فان قيل إذا لم تصح المخاطبة مع المعدوم والغائب فيلزم النقص في ناحية قدرته جلّت عظمته تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
قلنا لا يلزم النقص في ذات الباري جلّ جلاله أصلا ، لأن النقص والقصور في ذاتهما ، وهذا القصور لا يوجب نقصا في ذات الخالق المتعال كما ان استحالة اجتماع الضدين وارتفاع النقيضين لا توجب نقصا في قدرته تبارك وتعالى إذ الضدان من حيث هما ضدان غير قابلين للاجتماع ، والنقيضان من حيث هما نقيضان ليسا بقابلين للاجتماع وللارتفاع ، وكما ان خطابه اللفظي من حيث كونه تدريجيا ومتصرم الوجود كالزمان لأنه من الكم المتصل غير قار الذات ، فكذا الالفاظ حرفا بحرف ، كان قاصرا عن أن يكون موجها إلى جانب غير من كان بمسمع منه ضرورة (١).
__________________
(١) المسمع الموضع الذي يمنع منه يقال هو مني بمرأى ومسمع ، أي بحيث أراه واسمع كلامه كما في المنجد في حرف السين.