فاختصاص الخطاب بالمشافهين ، لو قلنا بان الخطاب بمثل : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ)(١) ـ في الكتاب الكريم ـ حقيقة إلى غير النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ولكن بلسانه الفصيحة إلى الناس ضرورة استحالة الخطاب الحقيقي مع الغائب فضلا مع المعدوم في الخارج فالنبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم مبلغ فقط ، واما إذا قلنا بأن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسه هو المخاطب والموجه اليه الكلام والخطاب حقيقة وحيا بتوسط ملك مقرّب أو بالالهام الذي هو القاء الخير من ناحية الفياض المطلق في قلبه الطيّب ، فلا محيص إلّا عن كون الأداة في مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) للخطاب الإيقاعي الانشائي سواء كان استعمال خطابات الكتاب الكريم فيه على نحو الحقيقة أم كان على نحو العناية والمجاز ، فالأول مختار المصنّف قدسسره والثاني مختار غيره.
وحينئذ ، يشمل خطاب الكتاب المبين الحاضرين والمعدومين فضلا عن الغائبين ، والسرّ في كون الأدوات للخطاب الايقاعي الانشائي الشامل للحاضر الملتفت وغير الملتفت كالحاضر الذاهل ، وللمعدوم والغائب ان حال نزولها على هذا المبنى لم يكن من يتوجه اليه الخطاب الحقيقي بموجود كي يقع النزاع في اختصاصها بالحاضرين مجلس الخطاب أو عمومها للغائبين ، بل المعدومين فلا موضوع إذن لهذا النزاع أصلا.
هذا مضافا إلى انه إذا قلنا بان المخاطب هو النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فالعنوان المذكور في الخطاب لما لم يرد منه المخاطب الحقيقي لعدم انطباق (المؤمنين) و (الذين آمنوا) و (الناس) عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلا بد حينئذ ان يجعل الخطاب المدلول عليه بأداته هو الخطاب الايقاعي الانشائي كي يشمل الحاضرين والغائبين والمعدومين ، إذ الجميع غير موجه اليه الخطاب فيكون شمول بعض دون بعض بلا مخصص.
__________________
(١) النساء : الآية ١.