في البداء في التكوينيات
قد التزم الشيعة بالبداء في التكوينيات بغير ذاك المعنى الذي تقدّم في النسخ ، أي بمعنى إظهار الشيء بعد اخفائه لا بمعنى ظهور الشيء بعد خفائه ، وهو بهذا المعنى الثاني مستحيل في حقّه تعالى لاستلزامه الجهل والباري تعالى منزّه عنه. فجواز البداء في التكوينيات مما دلّت عليه الروايات المتواترات ، كما لا يخفى.
فمنها قول امامنا الصادق عليهالسلام «ما عبد الله بشيء مثل البداء». ومنها قوله : «ما بعث الله نبيّا قطّ حتى يقرّ له بالبداء» ، أو «ما تنبأ نبي قط حتى يقرّ لله بخمس البداء والمشيئة والسجود والعبودية والطاعة» ، أو «ما بعث الله نبيّا قط إلّا بتحريم الخمر وأن يقرّ لله بالبداء». وغيرها من الروايات فأصل جوازه مسلّم على طبق الروايات التي من المتواترات اللفظية.
ولكن مجمل البداء انه لا شبهة في ان العالم الممكن بشتى أنواعه وأشكاله تحت قدرة الله تعالى وتحت سلطانه المطلق وان وجود كل ممكن من الممكنات في العالم منوط بمشيته وأعمال قدرته فإذا شاء أوجده وإذا لم يشأ فلم يوجده. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ان الله تعالى عالم بالأشياء بشتى أنواعها وأشكالها منذ الأزل وان لها تعيينا علميا في علم الله الأزلي ، ويعبّر عن هذا التعيين العلمي بتقدير الله تعالى مرّة وبقضاء الله تعالى مرّة أخرى.
ومن ناحية ثالثة ان علمه تعالى بالأشياء منذ الأزل لا يوجب سلب قدرة الله تعالى بالأشياء لأن حقيقة العلم بشيء الكشف عنه على واقعه الموضوعي ، فالعلم الأزلي بالأشياء هو كشفها لديه تعالى على واقعها من الإناطة بمشية الله تعالى واختياره فلا يزيد انكشاف الشيء على واقع ذلك الشيء ، بل هو باق على واقعه وان طرأ عليه عنوان الكشف والبداء.
فالنتيجة : في ضوء هذه النواحي الثلاث إذا تعلّقت مشيته تعالى بإظهار