ثانيا ما خفى على الناس أوّلا.
مثلا أخبر النبي قومه بوقوع العذاب عليهم في الوقت الفلاني وهو يعلم بعدم وقوعه عليهم فيه ولكنه مأمور من قبل الله تعالى بعدم إظهار عدم الوقوع للناس لمصلحة داعية إليه ، وهي اشتغال القوم جميعا بالدعاء والبكاء والتضرّع إلى الله سبحانه كي يرفع منزلتهم عند الله تعالى. ثم يظهر الله تعالى ثانيا بلسان نبيّه أو بلسان وليّه عدم وقوعه على القوم في الوقت المعيّن ، وهو مخفي عليهم أوّلا ، وانّما نسب إلى الله تعالى البداء فيقال يبدو الله جلّ وعلا مع ان البداء في الحقيقة منه تعالى يعني الابداء أي إظهار الشيء ثانيا بعد اخفائه أوّلا لا ظهور الشيء ثانيا بعد خفائه أوّلا إذ هو محال في حقّه تبارك وتعالى. لأنّه مستلزم للجهل لكمال شبهة إبدائه تعالى ، بمعنى اظهار خلاف ما أخبر الناس به بالبداء من غيره تعالى.
وجه الشبه بين المشبه وهو إبداؤه تعالى والمشبه به وهو بداء غيره تعالى ظهور خلاف اظهار الأول.
بيان ذلك : ان زيدا مثلا يظهر شيئا باعتقاد كونه ذا مصلحة وبعد كشف عدم المصلحة فيه يظهر خلاف ذاك الشيء ، فالمصلحة مخفية عليه وتظهر له بعدا ، فكذا المصلحة التي أخفاها الله تعالى على عباده ثمّ أظهرها لهم بلسان نبيّه أو وليه. غاية الأمر ان الاخفاء منه تعالى يكون لمصلحة وحكمة ومن العباد خفاء الأمر للجهل المركب. وفي ضوء هذا ، ظهر ان حقيقة البداء عند الشيعة الامامية هي بمعنى الابداء والاظهار ولكن اطلاق لفظ البداء عليه تعالى مبني على التنزيل وبعلاقة المشابهة ، كما علم هذا آنفا.
وان فائدة الاعتقاد بالبداء هي الاعتراف بأن العالم تحت سلطان الله تبارك وتعالى وقدرته وتوجه العباد إلى الله تعالى وتضرّعهم إليه سبحانه وتعالى في قضاء حوائجهم ومهماتهم ، وهذا هو السرّ في اهتمام الأئمّة الأطهار عليهم الصلاة والسلام بشأن البداء في الروايات الكثيرة.