وعليه : فكيف يجوز تخصيص الوجوب بالشيء الذي لا يشمل الأكثر كتخصيصه بالأقل فقط. ومن الواضح كون هذا الفرض بمكان عال من الامكان. فالتخيير يمكن بين الأقل والأكثر كما يمكن التخيير بين المتباينين.
قوله : ان قلت هبه في مثل ما إذا كان للأكثر وجود واحد ...
ولا يخفى ان كلمة (هب) اسم فعل أمر جامد (لا مضارع ولا ماضي له) ينصب مفعولين اصلهما مبتدأ وخبر ، والهاء مفعوله الأول ومفعوله الثاني ثابت في مثل (ما إذا كان) للأكثر لأن الجار والمجرور مفعول بالواسطة ، وهي ضمنت معنى جعل ، وهي متعدية إلى مفعولين ، أي افترض التخيير في مثل ما إذا كان للأكثر.
فالقائل بعدم امكان التخيير بين الأقل والأكثر ، اعترض على القائل بامكانه بينهما كالمصنف ومن تبعه من ان الأكثر محصّل للغرض الذي يكون داعيا إلى وجوب الأكثر إذا وجد دفعة واحدة بحيث لا يكون للاقل وجود مستقل في ضمن الأكثر ، وذلك مثل الخط الطويل الذي يوجد دفعة ، إذ ليس للخط القصير المتحقق في ضمن الطويل وجود مستقل على حدة ، فهنا يمكن التخيير بينهما على فرض وجود الأقل بحدّه في الخارج. بخلاف ما إذا كان للأقل وجود مستقل على حدة قبل وجود الأكثر وقبل تحقّقه ، كالتسبيحة الواحدة ، إذ هي توجد قبل وجود التسبيحتين الاخيرتين ، أو مثل خطّ طويل رسم مع تخلل العدم في رسمه فالأقل يوجد بحدّه في الخارج قبل وجود الأكثر فيه. وبالأقل يحصل الغرض على الفرض ، ومع حصول الغرض لا محالة يكون الزائد على الأقل غير دخيل في حصول الغرض ، فيكون الزائد على الأقل زائدا على الواجب ، ولا يكون الزائد من اجزاء الواجب ولا من اجزاء المأمور به ، ففي هذه الصورة لا يمكن التخيير بينهما لا عقلا ولا شرعا ، بل يتعين وجوب الأقل فقط ، كما لا يخفى.
فتلخّص مما ذكر : ان في صورة كون الأكثر دفعي الوجود في الخارج فهو واجب لا غير. وان في كون الأكثر تدريجي الوجود يتعيّن الأقل للوجوب لفرديته