ما يصدر عن المكلف بالقصد وإذا لم يكن اختياريّا فلا يعقل أن يكون القطع بالوجوب ، أو الحرمة من جهات الحسن ، أو القبح عقلا. ومن مناطات الوجوب ، أو الحرمة شرعا ، فلا توجد صفة اختيارية موجبة للحسن الصدوري ، والقبح الصدوري عقلا وللوجوب والحرمة شرعا.
قوله : ان قلت إذا لم يكن الفعل كذلك فلا وجه لاستحقاق العقوبة ...
فإذا كان الفعل المتجري به بعنوان معلوم الخمرية غير اختياري ، كما ذكر وجهه ، فلا وجه حينئذ لاستحقاق المتجري الذم في الدنيا والعقاب في العقبى ، إذ ما وقع لم يقصد لأنّه وقع شرب مقطوع الخمرية من المتجري.
وهو غير مقصود له ، إذ مقصوده شرب الخمر بما هو خمر : لا بما هو مقطوع الخمرية ، وما قصد لم يوقع ، إذ وقع في الخارج شرب الماء لا شرب الخمر كان مقصودا له فكان العقاب على مخالفة القطع على الأمر الذي ليس بالاختيار ، وهو فاسد عقلا ، وممنوع شرعا ، وقبيح عرفا.
أجاب المصنّف قدسسره بقوله : قلت العقاب في التجري انّما يكون على قصد العصيان والعزم على الطغيان وهما ناشئان من سوء السريرة. وصادران منه بالاختيار لا على الفعل الصادر منه بلا اختيار ، وهو شرب مقطوع الخمرية ، كما سيأتي هذا إن شاء الله تعالى. كما ان الثواب في الانقياد انّما يكون على قصد الطاعة وهو ناشئ من حسن السريرة لا على الفعل الخارجي الصادر منه بلا اختياره.
قوله : ان قلت ان القصد والعزم انّما يكونان من مبادئ الاختيار ...
ولا ريب في ان لاختيار الفعل مقدّمات ، وهي عبارة عن خطور الشيء في النفس ، ثم الميل وهيجان الرغبة إليه ، ثم الجزم ، وهو التصديق بفائدته ، ثم العزم والقصد ، وهو الشوق الأكيد المسمّى بالإرادة المستتبع لحركة العضلات نحو الفعل ونحو اختياره خارجا.