ومن الواضح : ان مقدّمات اختيار الفعل غير اختيارية لأنّ اختيارية الأفعال انّما تكون بهذه المقدّمات المذكورة ؛ فلو كانت هذه المقدّمات اختياريّة أيضا لكانت بمقدّمات اخرى ، إذ لا بد في كل الأمر الاختياري من هذه المقدّمات ، ومن جملتها : العزم والقصد ، فلو كانا اختياريين لاحتاجا إلى العزم والقصد الآخرين ثم ننقل الكلام إليهما فلو كانا اختياريين لاحتاجا إلى العزم والقصد فإذا كانا أولين لزم الدور ، وإذا كانا غيرهما وغير الثانيين والثالثين وهكذا لزم التسلسل.
فدفعا لهذين المحذورين نحن نقول ان القصد والعزم ليسا باختياريين فإذا كانا غير اختياريين فلم يصح العقاب عليهما عقلا ولا شرعا ولا عرفا ، كما ذكر وجهه سابقا.
في جواب المصنّف قدسسره عنه
قوله : قلت مضافا إلى ان الاختيار وإن لم يكن بالاختيار ...
أجاب المصنّف قدسسره عن هذا الإشكال بجوابين :
الأوّل : إذا راجعنا إلى وجداننا فنجد بعض مقدّمات الإرادة في اختيارنا ، بمعنى ان العبد يقدر أن يترك العزم على العصيان بسبب التأمّل في لوازمه وتبعاته من البعد عن المولى والوقوع في معرض سخطه وغضبه واستحقاق العقاب في العقبى واللوم من المولى والمذمّة من العقلاء في الدنيا كما وقع هذا لأولياء الله تعالى حين قرب وقوعهم فيه ، كما في يوسف الصدّيق على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام مع زليخا امرأة العزيز في مصر ، بل لا يخطر بقلبه عزم العصيان لكمالهم في العصمة.
مثلا : إذا خطر الإنسان شيئا في القلب ، نحو شرب الخمر مثلا ، ثم تصوّر مضارّه ومنافعه ثم رجّح فعله على تركه ، أو رجّح تركه على فعله وهو قادر حين