مختص بذات الباري عزّ اسمه ، كما اختص نفع الذكرى بالمؤمنين في قوله تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)(١) ، فإتمام الحجّة للعاصين وعنوان التذكّر بالإضافة إلى المؤمنين.
فتأمّل في المقام حتى لا تزل من حيث الاعتقاد وتقول ان العباد مضطرّون في أفعالهم لانتهاء الأمر إلى سوء السريرة وخبث الطينة وحسنها وطيبها وإلى الشقاوة والسعادة ، وكل واحد منها ذاتي والذاتي ضروري الثبوت نظير القضايا الضرورية نحو الإنسان حيوان ناطق بالضرورة مثلا ، فإذا كان ضروري الثبوت فهو لا يعلّل وينقطع السؤال بلم ولكن قول ان الذاتي لا يعلّل صحيح مقبول.
امّا الإرادة بجميع مقدّماتها فليست غير اختيارية ، إذ الجزم والشوق الأكيد المستتبع لحركة العضلات أمران اختياريان ، لأنّ التأمّل فيما يترتّب على الفعل القبيح من اللوم والذم في الدنيا ، والعقاب في الآخرة ، يمنع النفس عن حدّ الجزم وعن الشوق الأكيد ، فالإنسان أراد بالاختيار بلا اضطرار واجبار إذا وقع في المسيرين امّا مسير الضلال وامّا مسير الهداية ، فإرادة العصيان والطاعة بالاختيار ، كما لا يخفى كما ان التأمّل فيما يترتّب على الفعل الحسن من المدح في الدنيا ، والثواب في العقبى ، يصل النفس إلى حدّ الجزم وإلى الشوق الأكيد المستتبع لحركة العضلات ، وهذا واضح لمن راجع الوجدان ، فمسألة السعادة والشقاوة كمسألة العلم والجهل لا كمسألة الزوجية للأربعة والفردية للخمسة مثلا فيسأل حينئذ بلم الثبوتي فيقال لم صار زيد عالما مجتهدا فيقال في الجواب لأنّه يحصل العلم مدّة عشرين سنة مثلا ولم يكون زيد جاهلا الجواب ، لأنّه لا يحصل العلم ويترك التعلّم : وكذا يقال : لم صار زيد شقيّا فيقال في مقام الجواب لأنّه أراد العصيان والطغيان على مولاه ، ولم صار بكر سعيدا الجواب ، لأنّه أراد الطاعة والقرب ولا يصح أن تقول لم
__________________
١ ـ سورة الذاريات : ٥٥.