واقعا كان ذلك حسنا عقلا بل لكونه من أرقى مراتب العبودية بحكم العقل السليم سواء أصاب هذا الرجاء والاحتياط الواقع أم أخطأه لكون هذا ليس من العمل بمؤدى القياس بل من العمل بالاحتياط ، وهو حسن عقلا.
فإن قيل : يلزم التنافي والتناقض بين الحكم بتفريغ الذمة وبين استحقاق العقاب ، إذا عمل بمؤدى القياس الذي نهى عن العمل على طبقه فإذا كان الحكم بالتفريغ فلا موجب لاستحقاق العقاب ، وعليه لا يجوز الجمع بينهما عقلا ، كما لا يخفى.
قلنا : إن الحكم بالتفريغ في صورة العمل على طبق القياس فيما لو أصاب الواقع لأجل الملازمة العقلية بين الاتيان بالواقع وبين الحكم بالتفريغ وبفراغ الذمة ، أو بتقرير آخر وهو إن حكم الشارع المقدس بتفريغ الذمة من الأحكام الوضعية ، وهو مترتب على إتيان المكلف به واستحقاق العقاب من الأحكام العقلية يترتّب على مخالفة الحكم التكليفي بحكم العقل ، فالمحمول حكم الوضعي وهو عبارة عن تفريغ الذمة لأن إتيان الواقع مفرّغ للذمة ، والاستحقاق والعقاب حكم عقلي ، وهما اثنان فلا تناقض في البين ، لاشتراط وحدة المحمول في التناقض ، وفي المقام ليس وحدته بموجود ، فالظن بالواقع كالظن بالطريق يستلزم الظن بالفراغ مطلقا وان حصل الظن بالواقع من القياس لأن النهي عن القياس طريقي ناش عن مخالفته أحيانا للواقع امّا مع المصادفة تحصل البراءة عن الواقع.
نعم إذا كان النهي عن القياس موضوعيا فتحدث المفسدة في سلوك القياس وهي غالبة على مصلحة الواقع فلا يكون الظن بالفراغ حينئذ حاصلا لكون الواقع مبغوضا من أجل سلوك القياس ، ولكن ظاهر النهي عن القياس هو الأوّل ، ولهذا يستلزم الظن القياس الظن بالفراغ ، فإذا حكم الشارع المقدّس باستحقاق العقاب عليه فهو إرشاد إلى حكم العقل ، وعلى طبيعة الحال ليس بينهما تهافت وتناقض.