إذ في موارد الطرق والامارات امّا يكون التكليف الواقعي بمقدار المعلوم بالاجمال ، وامّا لا يكون التكليف الواقعي بمقدار المعلوم بالاجمال ، ففي الصورة الاولى يتحقّق الانحلال الحقيقي ، وفي الصورة الثانية يتحقّق الانحلال الحكمي. إلى هنا تمّ الوجه الأوّل للاخباريين ، رضي الله عنهم.
في الوجه الثاني من الدليل العقلي
قوله : ربّما استدلّ بما قيل من استقلال العقل بالحظر ...
فاستدل الاخباريون على وجوب الاحتياط في الشبهات البدوية بعد الفحص بالوجه الآخر من الدليل العقلي ، وهو ان الأصل الأولي في الأفعال غير الضرورية قبل الشرع هو الحظر والمنع.
اعلم ان الأفعال التي تصدر من العباد ، امّا ضرورية بحيث يتوقّف حياتها عليها كالأكل والشرب واللبس والنوم ونحوها ، وامّا غير ضرورية بحيث لا يتوقّف تعيش بني آدم عليها كالتكلّم والمشي والضحك والبكاء وأمثالها.
فالعقل يستقل بأن الأصل الأوّلي في الأفعال غير الضرورية هو الحظر لوجود احتمال الضرر قبل الشرع ، ومنها شرب التبغ مثلا لوجود احتمال الضرر في الارتكاب لاحتمال حرمته.
فلو تنزّلنا عن ذلك القول فلا أقلّ أن يحكم العقل في الأفعال غير الضرورية بالتوقّف أي لا يحكم العقل بالحظر فيها ولا بالاباحة ولا يثبت إباحة الشيء الذي لم يثبت حرمته شرعا ولم يقم دليل على إباحته لأنّ الدليل الذي دلّ على إباحته معارض بالأدلّة التي دلّت على وجوب التوقّف وعلى لزوم الاحتياط في الشبهات ، وحينئذ فيتعارضان وبعد التعارض يتساقطان فيرجع إلى حكم العقل بالحظر في الأفعال غير الضرورية لأنّه سالم عن المعارض فيبقى حكم العقل على حاله ، وهذا