يكون ملحوظا على وجه الآلية ، أو على وجه الاستقلالية ولا يمكن الجمع بين اللحاظين كما قلنا في الامارات حرفا بحرف.
توضيح ذلك : ان اليقين والشك إذا كانا ملحوظين على وجه الآلية فيكون النظر الاستقلالي إلى المتيقّن والمشكوك ؛ وامّا إذا كانا ملحوظين على وجه الاستقلالية فيكون الملحوظ الاستقلالي نفس اليقين السابق والشك اللاحق بما هو هو ، والحال انّه لا يمكن الجمع بينهما في ملحوظ واحد في آن فارد وزمان واحد.
فانقدح الفرق بين الاستصحاب وسائر الاصول العملية ، إذ هو قائم مقام القطع الطريقي المحض ، كالامارات والطرق بخلافها.
ولذا قيل : ان الاستصحاب عرش الاصول وفرش الامارات ، إذ هو بالنسبة إلى الاصول عال لأجل لحاظ الطريقية في الجملة فيه دونها ، وبالإضافة إلى الامارات نازل من حيث الكشف.
وعلى طبيعة الحال : فاليقين والشك لا يخلو من وجهين امّا موضوعان للحكم وامّا غير موضوعين له ، ولا ريب ان التنزيل على الأوّل يكون بلحاظ نفس عنوان اليقين والشك ، فالشك المسبوق باليقين بمنزلة اليقين وينزل منزلته فالاستصحاب قائم مقام القطع الموضوعي ، إذ فيه يكون اليقين دخيلا في الحكم الشرعي فيكون لحاظ القطع استقلاليّا ؛ وان التنزيل على الثاني يكون بملاحظة عنوان المتيقن والمشكوك ، فالمشكوك المسبوق بالمتيقّن بمنزلة المتيقّن الواقعي ، فهذا نظير تنزيل مؤدّى الخبر الواحد منزلة الواقع ، فالاستصحاب يقوم مقام القطع الطريقي ويكون لحاظ اليقين آليّا كالامارات والخبر الواحد.
وعليه : فلا يجوز الجمع بين التنزيلين ، إذ يلزم منه الجمع بين لحاظ الآلي والاستقلالي في ملحوظ واحد ، وهو اليقين ، وهو جمع بين المتناقضين ، فهذا محال عقلا قطعا ، فلا يقوم الاستصحاب مقام القطع الموضوعي كالامارات الأخر.