والمفروض انّه لا أثر فعلي لأحدهما يشمله دليل التعبّد الشرعي ، فإذا قامت البينة مثلا على كرّية مائع فلا يترتّب عليه الحكم بعدم الانفعال إلّا مع احراز كونه ماء بالوجدان ، أو بالتعبّد من قيام بيّنة اخرى على كونه ماء ، أو بجريان الاستصحاب عليه مثلا ، وكذا إذا قامت البيّنة على كونه ماء فلا يترتّب عليه الحكم بعدم الانفعال إلّا مع احراز كونه كرا بالوجدان ، أو بالتعبّد.
وكذا الحال : إذا أحرز أحدهما بالاستصحاب فلا يترتّب عليه الحكم إلّا مع احراز الآخر بالوجدان ، أو بالبيّنة ، أو بالاستصحاب الجاري في عرض ذاك الاستصحاب بأن يكون كلاهما متيقنين حدوثا مشكوكين بقاء ، كي يجري الاستصحاب في كليهما.
وفي ضوء هذا : فالمراد من التكلّف المذكور في العبارة هو منع الملازمة العرفية بين التنزيلين المذكورين ، أي بين تنزيل المؤدّى ، أو المستصحب منزلة الواقع وبين تنزيل القطع بالواقع التنزيلي منزلة القطع بالواقع الحقيقي. وذلك لعدم تبادر هذا اللزوم في أذهان أهل العرف فلا يدلّ دليل الحجية إلّا على ترتيب آثار القطع على الامارة والاستصحاب بما هو طريق إلى الواقع وكاشف عنه كما يتبادر الجود من لفظ حاتم عند العرف ، كما ان المراد من التعسّف فيها هو لزوم الدور على فرض لزوم العرفي بين التنزيلين ، إذ لا يكاد يصحّ تنزيل جزء الموضوع المركّب ، أو تنزيل قيده في الموضوع المقيّد منزلة القطع بما هو جزء الموضوع وبما هو قيد الموضوع بلحاظ خصوص الأثر الثابت لنفس المركّب والمقيّد إلّا فيما كان جزءه الآخر محقّقا محرزا بالوجدان ، هذا في الموضوع المركب ، وإلّا فيما كان ذات الموضوع محرزا بالوجدان ، هذا في الموضوع المقيّد كي يترتّب الحكم الشرعي على الموضوع بعد انضمام الجزءين في المركب وبعد تحقّق ذات المقيّد والقيد في الموضوع المقيّد.