من العصيان والكفر ، وإنما احتمل هذين الوجهين ؛ لأن المنع لهم من طاعة الله تعالى واتباع أمره ونهيه ، يكون بأنفسهم ، ويكون من بعضهم بعضا ؛ فيكون محتملا لكلا الوجهين ، وهو كقوله تعالى : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ) [النور : ٦١] وقوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] : ولا تهلكوا بعضكم ببعض ؛ إذ الظاهر أن المرء مع قيام عقله لا يهلك نفسه ، ولا يلقيها في التهلكة ، وكذا لا يسلم على نفسه.
ويحتمل الظاهر أيضا أن يسلم على نفسه إذا دخل البيت ، ولم يكن معه غيره ؛ ولذلك نهي عن إهلاك نفسه عند شدة الغضب ، ونحو ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ).
قال بعض أهل التأويل : كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم ، فأحياهم الله تعالى في الدنيا ، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها ، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة ، فهما حياتان وموتتان ، وهو قول ابن عباس وابن مسعود فيما أرى ، ويقولون [هو] كقوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ...) الآية [البقرة : ٢٨].
وقال بعضهم : قوله : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) : إحدى الموتتين هي التي تنقضي بها آجالهم ، ثم يحييهم في القبر ، ثم يميتهم ، ثم يحييهم للبعث يوم القيامة ، فهما موتتان وحياتان ، وإلى هذا يذهب ابن الراوندي ، ويحتج بهذا على عذاب القبر ، وهو أشبه وأقرب ؛ لأنهم بكونهم في أصلاب آبائهم أمواتا لا يقال : (أَمَتَّنَا) وهم كانوا أمواتا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ).
يحتمل اعترافهم بذنوبهم : هو ما أنكروا في الدنيا قدرة الله تعالى على البعث والإحياء بعد الموت والعذاب لهم لما عاينوا ذلك وشاهدوا أقروا به ، فإنكارهم ذلك هو ذنبهم ، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون ذنوبهم التي اعترفوا بها ما ذكر في سورة (تبارك) حين قال لهم الخزنة لما ألقوا في النار : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) [الملك : ٨ ، ٩] فيكون اعترافهم بذنوبهم هذا ، والله أعلم.
وقوله : (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ).
قوله : (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ) أي : ذلك المقت الذي ذكر أو العذاب الذي نزل بكم إنما كان (بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ) ، أي : كفرتم بتوحيده ، (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ) أي : توحيد الله (تُؤْمِنُوا) به ، أي : يصدقوا هذه الآية كقوله : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الزمر : ٤٥] فهما