وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ).
اختلف فيه : قال بعضهم (١) : يوم يلقى أهل الأرض أهل السماء.
وقال بعضهم : يوم يلقى الآخرون الأولين.
وجائز أن يكون هو يوم يلقى الإنسان عمله وأفعاله التي عملها ، والله أعلم.
وقالت الباطنية : أي : يوم يلقى الصور المتولدة من الأجساد بأعمال الخير والشر التي كانت لهم في الدنيا الصور التي كانت لهم روحانية ؛ لأن من مذهبهم أن من مات منهم يحدث ويتولد بالأعمال التي كانت لهم من الخير صورا روحانية تلقى هذه الصورة الحادثة المتولدة من الأجساد بعد الموت ، ويكون البعث عندهم للأرواح فتتصل هذه الأرواح النورانية بالنور الصرف ، ويستدلون بقوله : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) ، أي : تبرز تلك الصور الروحانية من الأجساد ؛ إذ الخلائق كلهم في جميع الأحوال والأوقات بارزون ظاهرون لله تعالى لم يكونوا في وقت مستورين عنه.
ولكن هذا فاسد ؛ لأنه لو كان الأمر على ما يقوله الباطنية لكانت الأنفس إذا نامت وخرجت منها الصور الروحانية ، فرأت رؤيا كانت تراها مختلطة غير متحققة ، وفي حالة اليقظة تراها متحققة غير مختلطة ؛ دل أن الإدراك للأجساد بواسطة الصور الروحانية ، فيجب أن يكون البعث للكل ، والله أعلم.
ولكن الوجه في ذلك ما ذكرنا ، وأصله أنه سمي ذلك اليوم على ما سمي : يوم الجمع ، ويوم التغابن ، ويوم الحشر ، وغير ذلك ، سمي ذلك اليوم على أسماء مختلفة ، كل اسم من ذلك لمعنى غير المعنى الآخر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ).
قال بعضهم (٢) : أي : ظاهرون ، لا شيء هنالك يسترهم ، أي : يرتفع يومئذ جميع السواتر ؛ وهو كقوله تعالى : (فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً* لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) [طه : ١٠٦ ، ١٠٧] ، أي : لا شيء فيها ، يذكر هذا لأن من الناس من يقول : يستر الأشياء عن الله تعالى بالسواتر ردّا لقولهم.
ويحتمل أن يكون قوله : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) سمي ذلك اليوم : يوم البروز ؛ لما يتفقون جميعا ويقرون بالكلمة التي اختلفوا في الدنيا فيها ، فيبرزون جميعا متفقين مقرين على تلك الكلمة يومئذ وهي كلمة التوحيد ، والله أعلم.
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٠٣٠٥) ، وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر كما في الدر المنثور (٥ / ٦٥٠) ، وهو قول السدي أيضا.
(٢) قاله ابن جرير (١١ / ٤٧) ، والبغوي (٤ / ٩٤).