١] ؛ فعلى ذلك سماه «آزفة» لدنوه وقربه منهم ، يقال : أزف فلان إلى فلان ، أي : قرب ودنا منه ، ومعناه : أي : أنذرهم بما إليه مرجع عاقبتهم ومصيرهم ؛ لأن أهل العقل والتمييز إنما يعملون ويسعون للعاقبة وما إليه يرجع أمورهم وهو ذلك اليوم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ).
يخبر عن شدة حالهم وفزعهم في ذلك اليوم ، ليس أن يزول قلوبهم عن أمكنتها وترتفع إلى الحناجر حقيقة ، ولكنه وصف لشدة حالهم في ذلك اليوم وكثرة خوفهم وفزعهم وضيق صدورهم ؛ وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) [التوبة : ٢٥] أي : ضاقت صدورهم وقلوبهم بما حل بهم من الشدائد والأهوال ، ليس أن صارت الأرض في الحقيقة مضيقة لا يسعون فيها ، ولكن وصف لضيق صدورهم لعظم ما نزل بهم ، فكنى بضيق الأرض عن ضيق صدورهم ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون ما ذكر من كون القلوب لدى الحناجر كناية عن ضيق صدورهم لشدة حالهم وعظيم ما حل بهم ، والله أعلم.
والحناجر : هي مواضع الذبح من الشاة وغيرها من الدواب ، واحدها : حنجرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كاظِمِينَ).
قال بعضهم (١) : الكاظم : المغموم الذي يتردد خوفه في جوفه غيظا ؛ لما كان منه في الدنيا.
وقيل : الكاظم لا يتكلم ، قد كظم من الخوف.
وقيل : الذي لا يفتح فمه ؛ وهو قريب بعضهم من بعض.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ).
أي : قريب ، وقيل : الحميم : هو الذي يهتم بأمر صاحبه ، ويسعى في دفع ما نزل به من البلاء.
وقوله : (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ).
أي : يجاب : يذكر : ألا يكون لهم في الآخرة قريب يهتم لأمرهم ، ولا شفيع يشفع لهم ؛ فيجاب كما يكون في الدنيا ؛ وكذلك قوله : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر : ٤٨] أي : لا يكون لهم شفعاء ينفعهم شفاعتهم ، وهو ما قال ـ عزوجل ـ في آية أخرى : (وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ ...) الآية [البقرة : ٢٥٤].
__________________
(١) انظر : تفسير البغوي (٤ / ٩٥).