[الإسراء : ٤] أي : أوحينا إليهم ، فكأنه يقول : والله يوحي بالحق ويخبر به ، والذين يدعون من دونه لا يملكون الوحي ولا الخبر ، فكيف اخترتم عبادتهم على عبادة من يوحي بالحق ويخبر؟! والله أعلم.
والثالث : القضاء هو الخلق والإنشاء ؛ كقوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [فصلت : ١٢] أي : خلقهن ، فيكون قوله على هذا (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) ، أي : يخلق بالحق ، والذين يدعون من دونه لا يخلقون شيئا ، وقد يعلمون استحقاق العبادة إنما يجوز بالخلق والإنشاء ؛ وهو كقوله تعالى : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) [النحل : ١٧] ، (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) [الرعد : ١٦] يقول : خلق من يدعون دونه كخلقه حتى تشابه ذلك عليهم فعبدوهم ؛ إذ يعلمون أن من خلق ليس كمن لم يخلق ، وقد تعلمون أنها لم تخلق شيئا ، فكيف عبدتموها؟! والله أعلم.
ثم أقول : أصل التأويل (يَقْضِي بِالْحَقِ) أي : يحكم بالحق في الدنيا بالآيات والحجج ما عرف كل أحد أنها حجج وآيات وبراهين ، والحكم بما ذكرنا حكم بالحق ، والله أعلم.
والثاني : أي يحكم بالحق في الآخرة وهو الشفاعة ، أي : لا يجعل الشفاعة لمن يعبدون على رجاء الشفاعة ؛ كقولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ، ولكن إنما يجعل لمن ارتضى ؛ كقوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : السميع للمؤمن ، أي : المجيب للمؤمن ، والبصير لعقاب أولئك.
وقيل (١) : السميع لأقوالهم ، البصير بأفعالهم.
وجائز أن يكون قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) صلة ما تقدم من قوله : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) يقول : السميع بما يكون منهم ظاهرا من قول أو فعل ، والبصير بما أخفوا في قلوبهم وتكن صدورهم ، يخبر بهذا ؛ ليكونوا أبدا مراقبين حافظين أنفسهم ما ظهر وما خفي ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً).
هذا يخرج على وجهين :
__________________
(١) انظر : تفسير ابن جرير (١١ / ٥١).