أحدهما : ما قال الحسن : إنهم لو ساروا فنظروا في آثار من كان قبلهم من مكذبي الرسل ، لكان لهم في ذلك زجر ومنع عن مثل صنيع أولئك.
وقال بعضهم : هو على الخبر ، أي : قد صاروا في الأرض ، ونظروا في آثار من تقدمهم ، لكنهم لم ينظروا نظر اعتبار أنه لما ذا أصابهم ما أصابهم؟ والله أعلم.
وقال قائلون : هو على الإيجاب والإلزام ، أي : سيروا في الأرض وانظروا في آثار أولئك الذين كانوا من قبل هؤلاء ؛ كقوله : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) [النمل : ٦٩].
ولكن نقول : ليس على حقيقة السير في الأرض بالأقدام ولا نظر العين والبصر ، ولكنه أمر منه لهم بالتفكر والاعتبار في آثار من كان قبلهم ، وإلى ما ذا صار عاقبة أمر صنيع مكذبي الرسل ومصدقيهم؟ لينزجروا عن مثل صنيع مكذبهم ، ويرغبوا في مثل صنيع مصدقهم ، والله أعلم.
وقوله : (كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) ، في أبدانهم وأنفسهم ، (آثارِ) ، أي : خبر أو ذكر في الأرض.
ويحتمل (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) أي : أشد أعمالا في الأرض ، وليس كما يقول بعض المعتزلة : أي : أنهم كانوا أشد منهم قوة في الخيرات ، فإن كان ما ذكر فذلك ليكون أصلح لهم ، وهذا بعيد سمج من القول ، والوجه فيه ما ذكرنا أنهم كانوا أشد منهم قوة في أبدانهم وأنفسهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ).
يخبر أن أولئك الذين كانوا من قبل هؤلاء كانوا أشد من هؤلاء قوة وأشد آثارا في الأرض ، ثم لم يمنعهم شدة قوتهم في أبدانهم وأنفسهم وما ذكر من آثار الأرض ولم يدفعوا عن أنفسهم ما نزل بهم من عذاب الله ، فأنتم يا أهل مكة دونهم في البطش والقوة ، فكيف تمنعون عذاب الله إذا نزل بكم؟! والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ).
ذكر ـ والله أعلم ـ أن أولئك قد عبدوا الأصنام رجاء أن تشفع لهم في الآخرة وتقربهم إلى الله زلفى ، كما تعبدون أنتم على رجاء الشفاعة لكم والتقرب إليه ، ولو كانت عبادتهم إياها طريق الشفاعة وسبب التقريب ، لكان يغيثهم من عذاب الله في الدنيا ، وهو كما ادعت اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه ، فقال ردّا عليهم بقوله : (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) [المائدة : ١٨] أي : في الدنيا لو كنتم على ما تزعمون ؛ إذ لا أحد يهلك ويعذب ولده وحبيبه في الدنيا فعلى ذلك الأول.