والثاني : لا يهدي من هو مختار الإسراف والكذب وقت اختيارهم الإسراف والكذب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا). يخرج على وجهين :
أحدهما : يحتمل أن يقول ذلك بعد ما سألوه أن يتبع دينهم وما هم فيه : إني لو اتبعتكم وأجبتكم ومعكم الملك والحشم والغلبة وليس معي ذلك ، فإذا جاء بأس الله وعذابه فصرتم أنتم ممتنعين عنه بما معكم ، فمن ينصرنا من عذاب الله وليس معنا ذلك؟! وإن كان يعلم حقيقة أن ما معهم من الغلبة لا يمنع من عذاب الله ، لكن قال ذلك بناء على اعتقادهم ؛ إظهارا للعذر عندهم ؛ كيلا يقدموا على قتله لصيانة حياته ، ومثل هذا لا بأس به ، والله أعلم.
والثاني : يقول على الرفق بهم وإظهار الموافقة لهم في الظاهر ؛ يقول : إنه قد جاءنا من الله البينات ما أوضح الحق وبين السبيل ، فإذا رددنا ذلك وكذبناهم جاءنا بأس الله جملة وعذابه ، فمن يمنعنا عنه وينصرنا من عذابه إذا خالفنا أمره وتركنا اتباع دينه؟! على هذين القولين يخرج القول منه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى).
قال بعضهم : أي : ما آمركم إلا بما رأيته لنفسي.
وقال بعضهم : ما أختار لكم إلا ما أختار لنفسي ذلك ، لكن [ليس] للعين أن يختار لهم ما اختار لنفسه ؛ لأن ما اختار لنفسه باطل فاسد ، وكذب اللعين أيضا حيث قال : ما أختار لكم إلا ما أختار لنفسي ؛ لأنه اختار لهم أن يعبدوه ولم يختر لنفسه عبادة أولئك أن يعبدهم ، فهو كذب من القول.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ).
كذب أيضا في قوله : إنه لا يهديهم إلا سبيل الرشاد ، بل كان يهديهم سبيل الغي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ* مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ).
كأن فيه إضمار القول : إني أخاف عليكم يوما مثل يوم الأحزاب ، ويوما مثل يوم قوم نوح وعاد ، فهو ـ والله أعلم ـ صلة قوله فيما تقدم : (يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا) وعظهم مرة واحتج عليهم بما جاءهم موسى بالبينات ؛ حيث قال : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) ،