والثاني : فيه إخبار أنه لا يعاقب أحد بذنب غيره ، ولا يؤاخذ بجريمة غيره ، ولا يزيد على قدر ما يستحقون به العذاب ، أو لا ينقصهم من ثواب حسناتهم شيئا ؛ كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) [النساء : ٤٠] وغير ذلك من الآيات ما فيها إخبار أنه لا يجزيهم بأكثر مما يستوجبون ليس على ظن أولئك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ. يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ...) الآية.
وعظهم أيضا بعذاب الآخرة وما يكون منهم من الندامة بتركهم اتباع الرسول ، بعد ما وعظهم بعذاب الدنيا وما نزل بأوائلهم بصنيعهم مثل صنيعهم ، وهو ما قال : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ. يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ...) الآية.
ثم قوله : (يَوْمَ التَّنادِ) فيه لغات ثلاث :
إحداها : يوم التنادي بالياء.
والثانية : بالتخفيف على حذف الياء.
والثالثة : بالتشديد.
فمن قرأها بالتشديد ، يقول : هو من ند يند ندّا إذا مضى لوجهه هاربا فارّا من عذاب الله ، إذا عاينوا العذاب ، وهو من ند الإبل وغيره ـ والله أعلم ـ.
ومن قرأه بالياء فهو التفاعل من النداء ، فهو على نداء بعضهم بعضا يوم القيامة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) [الأعراف : ٤٤] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ) [الأعراف : ٥٠] ، وقوله : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [القصص : ٦٢] ، وقوله : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) [القصص : ٦٥] ونحوه.
ومن قرأه بغير الياء ، فقد حذف الياء ؛ كقوله : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) [طه : ٧٢] ، وأصله : التنادي ، والله أعلم.
ثم قوله تعالى : (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) قال بعضهم (١) : يوم تولون هاربين من النار مدبرين عنها ؛ كقوله تعالى : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) [عبس : ٣٤].
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ).
أي : ما لكم من عذاب الله إذا نزل بكم من مانع يمنعكم من عذابه.
__________________
(١) قاله ابن جريج ، أخرجه ابن المنذر كما في الدر المنثور (٥ / ٦٥٦).