وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) قد ذكرناه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ).
أي : جاءكم يوسف من قبل موسى ـ عليهالسلام ـ بالبينات ، أي : بالآيات والأدلة على رسالته وصدقه ، جائز أن يكون هذا قول ذلك الرجل لقومه يخبرهم عن سفه أوائلهم من تكذيبهم يوسف بأرض مصر قبل موسى ، وما كان من القول منهم بعد ما ذهب من بينهم وردهم آياته وحججه التي أتاهم بها ، وما أخبر أنهم وأوائلهم لم يزالوا في شك وريب مما جاءتهم الرسل من الآيات والأدلة ، وهو ما قال ـ عزوجل ـ : (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) يقول : لم تزل عادتكم وعادة أوائلكم هذا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً).
جائز أن يكون وإن خاطبهم بقوله : (جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) [البقرة : ٩٢] ، وقوله : (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ) ، وقوله : (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) إنما أراد آباءهم وأوائلهم ؛ لأن يوسف ـ عليهالسلام ـ لم يكن في زمن هؤلاء مبعوثا إليهم على ما عاتب الأبناء بصنع آبائهم في غير آي من القرآن (١) ؛ كقوله : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ) [البقرة : ٩١] ، وقوله : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ) [البقرة : ٩٢] ، وهؤلاء لم يقتلوا الأنبياء ولا اتخذوا العجل ، وإنما فعل ذلك آباؤهم وأوائلهم ، ثم جاء العتاب لهم بسوء صنيع آبائهم وأوائلهم ؛ فعلى ذلك هذا.
وجائز أن يكون وإن خاطبهم بما ذكر من سوء الصنيع والتكذيب ، إنما يخبر عن صنيع آبائهم وأوائلهم فيحذرهم عن مثل صنيع أولئك من التكذيب لهم والرد لأدلتهم ، والقول بعد ذهابه من بينهم ، والكذب على الله : إنه لم يبعث رسولا ؛ يقول : إياكم أن تكذبوه وتردوا آياته وحججه ، ثم تقولوا إذا مات موسى : لن يبعث الله من بعده رسولا ، كما قال أوائلكم : إذا مات يوسف : لم يكن من بعده رسول بقولهم : (حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) يشبه أن يخرج الآية على هذا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ).
فقد ذكرنا تأويله من وجهين فيما تقدم.
ثم قوله : (حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) يخرج من وجهين :
أحدهما : آمنوا به ، وأنكروا رسالة غيره بعده بقولهم : لن يبعث الله من بعده رسولا.
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : مما يحفظ عتاب الأبناء بصنع الآباء في غير آي من القرآن. م.